المطلب الثالث: دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن حديث سجود الشَّمس تحت العرش.
والإبانة عن فَسَادِ ما ادعوه من مناقضة الحديثِ للضرورة الحسِيَّة، يتأتَّى في مقامين، مجملٍ، ومفصَّل.
فأمَّا المقام المجمل: فدعوى مناقضة الحديث للضرورة الحِسيَّة: لا تُسلَّم إلا عند التحقُّق من تَضمّن الحديث النبوي لخَبَرٍ مُفصَّل عن واقع محسوس يناقض المستقر المشاهد ضرورة؛ بحيث ينتفي الجانب الغيبي في هذا الخبر. أمَّا إذا لم ينتفِ عن الخبر هذا الجانب = فالمناقضة منتفية؛ لكون الحسِّ لم يشهده كي تصحّ دعوى مخالفة الضرورة.
وأما المقام المفُصَّل: فبيانُه: أن الحديث تضمن إخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذهاب الشَّمس وسجودها تحت العرش. وهذا خبر عن ثلاثِ حقائق مُغيَّبة، ليس للعقل يقين بإدراكِ كنهِها؛ فضلًا عن نفيها. هذه الحقائق، هي: حقيقة العرش، وحقيقة حركة الشَّمس، وحقيقة سجود الشَّمس تحت العرش (١).
فالعرشُ له حقيقةٌ لا يعلمها إلا الله الرب تبارك وتعالى، والعقل لا يملك إلا تعقل معاني صفاته المخبَر عنها في الدلائل الشرعية. ومن تلك الأوصاف ما جاء في وصفه بأنه عظيم الخلق، والوزن، قال تعالى:{وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} التوبة: ١٢٩.
ثبت من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول عند الكرب: (لا إله إلا الله العليم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش
(١) انظر: " رفع اللبس عن حديث سجود الشَّمس " لعبد الله الشهري (٣)