المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي على عموم أحاديث أشراط السَّاعة:
أمّا الجواب عمّا أوردوه من المعارضات؛ فيتلخص في الأوجه التالية:
- الوجه الأول: أنَّ انتفاء العلم بتحقق الحكمة من هذه الأشراط في بعض الخلق؛ لا يعني العدم؛ إلاّ إنْ ادّعى المعترض الإحاطة بذلك. وهذه الكُلِّية السَّالبة ينقضها، واقعُ من روى هذه الأحاديث من المُحدّثين، وما هم عليه من الخشية والفَرَق، وكمال الورع والتقوى. وحَمْلُ هذه الأحاديث لهم على الحزْم، ومعرفة حقيقة الدنيا. ومَن طالَع أخبارهم، وقرأ سِيَرَهم؛ علِم بطلان ما ذكره المعترض. بل من قرأ هذه الأحاديث على جماعة المسلمين؛ رأى مدى تأثّرهم بها، ومسارعتهم للطاعة بعدها، ورغبتهم عن غِشْيان المخالفات؛ لِوَقْع تلك الأحاديث على قلوبهم. ومهما يكن من أمرٍ؛ فإنّا لو التزمنا إبطال كلّ حديث تضمّن زجرًا عن أمرٍ، أو تخويفًا؛ لانتفاء ثمرته في واقع بعض الناس = للزم من ذلك إبطالُ السّنة؛ بل إبطال الدين كلّه؛ لأنّ ما يَصْدُق في السُّنَّة يصحّ قوله في القرآن. فإنّ الله أنزل كتابه هدايةً للبشرية، ومع ذلك فقد كان فتنةً لبعض الخلق؛ كما قال تبارك وتعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (٤٤)} ... فصلت.
- الوجه الثاني: أنّ هذا الاعتراض؛ وإنْ رَاشَه المعترض على تلك الأحاديث، إلاّ أنه فاته أنّ ذلك الاعتراض يسري إلى الآيات النّاصة على أَنّ للساعة أَشْراطًا؛ سواءً بسواء. ومن ذلك: قوله تعالى: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} محمد: ١٨ وقوله تعالى: