[المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث (لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات)]
الجوابُ عن الاعتراضات التي اعترض بها المنكرون لهذا الحديث، وذلك في الأوجه التالية:
الوجه الأول: اعتراضهم بأنَّ الحديث مخالف للآية الواصفة لإبراهيم - عليه السلام - أنه كان صديقًا المقتضيةِ لكثرة صدقة وانتفاء الكذب عنه في قوله تعالى {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (٤١)} مريم.
والجواب عن ذلك: أَنَّ وقوعَ التعارض الظَّاهري بين دليلين صحيحين =لايلزم منه الفَزَع إلى ردِّهما، أَو إهدار أحدهما مع إمكان الجمع بينهما. هذا من جهة.
من جهة أُخرى؛ فإنَّ السُنَّة الصحيحة لا تُناقض أَبدًا ما دلَّ عليه القرآن، بل هي بيان له وبيان السنة للقرآن هو مراد الله تعالى ولا شكَّ، توضيحُ ذلك:
أَنَّ وَصْفَ إبراهيم - عليه السلام - بأنَّه كان (صدِّيقًا) يقتضي كثرة صدقه - عليه السلام -؛ لأنَّ الصدق من أبنية المبالغة عند أهل اللِّسان (١)، والمقصود وصفه أنه كان بليغًا في الصدق، وهذه إخبار عن كثرة صدقه، ولا يقتضي ذلك امتناع وقوع ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - من الكذبات الثلاث، فإن ذلك يمتنع متى ما أخبرَ بكثرة كذبه، وحاشاه - عليه السلام - من ذلك، ولذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (لم يكذب ... إلا ثلاث كذبات) ونفيه أولًا دليل على تحريه الصدق، والتزامه له، وأن وقوع تلك الكذبات الثلاث لا تخدش في كونه صديقًا