للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما وصف الله تعالى، وشَاهد ذلك من العقل والحسِّ: بأنَّه لو عُرف عن إنسان كثرة قيامه لصلاة الليل كثرةً أصبحت صفةً له حتى نُعت بأنه "قوام" الدالة على كثرة قيامه = فإنَّ ذلك الوصف لا يُنفي عنه لتخلفه عن القيام في بعض الليالي، وكذلك مثلًا لفظ "الطيِّع" هو كثيرُ الطاعة مبالغة في "طائع" لا يقتضي لغةً، ولا عَقلًا أَن يكون مقتضى هذا الوصْفِ: الذي لا يعصي أبدًا، وكذا "الكذاب" هو كثير الكذب، وليس هو الذي لا يصدق (١) .

وهذا معلوم لا ينكره أحدٌ، فكذلك وصفُ الله تعالى له عليه الصلاة والسلام بـ"الصديقيَّةِ" لا ينتفي بسبب وقوع الكذب منه، -والذي تقدم من قبل بأنه ليس بكذبٍ محض -بل وصف الصديقية ما زال منطبقًا عليه لم يَزَلْ.

وأمَّا اعتراضهم بأن من أعظم صفات الرُّسل الصدق وعصمتهم من الكذب.

وصدور الكذب منهم -ولو مرة واحدة- يمنع من الوثوق بما أخبروا به، وسبب لتطرُّق التهمةِ إلى الشرائع كلها، فيبطل حينئذ الاحتجاج بها.

فيقال: لا ريب أنَّ من أعظم صفات الرُّسُلِ الصدقَ، وامتناع الكذب عليهم فيما يبلغونه عن الله تعالى.

وقد نقل الاتفاق على ذلك القاضي عياض فقال: (وكذلك اتفقوا على أن كلَّ ما كان طريقه البلاغ في القول فإنهم معصومون فيه على كل حال) . (٢)


(١) انظر: "مشكلات الأحاديث النبوية" (١٣٢)
(٢) "إكمال المعلم"للقاضي عياض (٢/ ٨٤٩)

<<  <   >  >>