المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث (إنَّ الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم).
ما أورده الطاعنون في الحديث يدور في حقيقته=على كون الحديث مناقضًا للضرورة العقلية المُثْبِتَةِ أن للعبد اختيارًا يقع بها عَملُه دون أي تأثيرٍ؛ ليتم الجزاء على وفق ذلك.
والجواب عن الاعتراض الأول وهو دعواهم أن الحديث يستلزم الجبر؛ لأنه مَن كان يجري منّا مجرى الدم، فكيف نحذرُه ونتقّيه؟
فيقال: إخْبار النبي - صلى الله عليه وسلم - عن جريان الشيطان لا يلزم منه نَقْلًا ولا عقلًا سَلْبُ اختيار المُكلَّف. وهذا معلوم ببداهة النظر؛ فمع جَرَيان الشيطان في العبد، إلا أنه يُدرك ضرورة الفرق بين حركته المقارنة لإرادته، وبين حركته الاضطرارية التي تصدر منه بلا إرادة وقصد = فإذا ثبت ذلك؛ فغاية ما يسلّط به الشيطان على العبد = الوسوسة، والتزيين، والإغواء. وقد أَبان الوحي غاية البيان عن العِصَمِ التي تعصم العبد من غوائله (١)، والتي من أعظمها الاستعاذة بالله تعالى، والالتجاء إليه في إبطال كيدِهِ، ودفع ضرره، كما قال تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٦)} فصلت: ٣٦.
فإذا تبين ذلك؛ علمت أن اسْتفهامه بقوله:(فكيف نحذره ونتقيه؟!) ضِغْثٌ يضاف إلى مغالطته السالفة.
وأما الجواب عن الاعتراض الثاني: التي ضمّنها دعواه بأن ذلك مناقضٌ لمقتضى عدل الله تبارك وتعالى ... الخ.
(١) انظر: " بدائع الفوائد " لابن القيم (٢/ ٨٠٩)، حيث عَدَّ عشرةَ أسبابٍ تحرز العبد من الشيطان.