[المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن أحاديث الصراط]
دفع المعارض الأوّلِ:
أما دعواهم أنَّ المرور على الصراط بنعته الثابت في السُّنة= مستحيلٌ؛ لأن هذا الأمر بالمرور تكليف والتكليف منتفٍ في الآخرة.
فالجواب: أن المنع مَبْنيٌ عند المخالف على امتناع التكليف في الآخرة. وحرف "التكليف" هنا مُجْمَل يفتقر إلى استفصال؛ فإن أُريد بالتكليف ما يترتب عليه الثواب والعقاب , فلا ريب أَنَّ جميع الطوائف يوافقون على تحقّق ذلك في الدنيا؛ لكونها دار ابتلاء وامتحان , وأيضًا الاتفاق قائم على امتناع ذلك في دار الجزاء , فلا تكليف فيها بهذا المعنى , فيبقى النَّظر فيما قبل دخول الجنة والنار. وعلى هذا؛ يتحرر أن الدّور بالنسبة للتكليف المبين معناه - بحسب موارد الشرع - تنقسم إلى ثلاثة أقسام. وهذه الأقسام هي من جهة تحقق التكليف فيها من عدمه:
القسم الأول: دار تكليفٍ؛ وهي الدنيا. وهذا بلا خلاف بين أحد من المتشرعين (١).
القسم الثاني: دارٌ لا تكليف فيها بلا خلاف أيضًا , وهي دار الجزاء.
القسم الثالث: دارٌ التكليف فيها ممكن؛ كالبرزخ , وعرصات القيامة , وذلك قبل دخول دار الجزاء.
(١) انظر:"قاعدة في شمول آي الكتاب والسنة"لابن تيمية (٢٣٨: ضمن جامع المسائل , المجموعة الثالثة).