للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث (ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان)]

أَمَّا الجواب عن الاعتراض الأوّل، فيقال:

إنه لا موجب للعدول عما دل عليه الحديث. ودعوى الامتناع غفلةٌ عن الحقائق. وبيان ذلك: أنه لا يخلو أن يكون مراد الزمخشري ومَن تابَعه بـ"امتلاء الدنيا صراخًا وعياطًا من أثر النّخس" = أن يكون ذلك على جهة الدوام والاستمرار لكل مولود، أو يُخص ذلك بزمن مخصوص.

فإن كان الأول، فالتلازُم تخييل انقدح عند الزمخشري، لا واقع له على التحقيق؛ وذلك أن الحديث أخبر عن استهلال المولود صارخًا في زمن خاص، وهو زمن الولادة، ولم يَرِدْ مطلقًا ليصحّ الاعتراض. والواقع يشهد بخلاف ذلك أيضًا.

قال الإمام الرَّسعَني - رحمه الله - (١) ردًا على الزَّمخشري: (لستُ أعجب من قوله (٢) عن حديثٍ اتَّفق أئمة الإسلام على تصحيحه وتدوينه، وأخرجه الإمام أحمد في مسنده، والبخاري ومسلم في صحيحهما:"إن صحَّ"؛لأنَّ الرَّجل كان جاهلًا بهذا العلم الجليل =ولكن من صفاقة وجهه في ردِّ الحديث على تقدير التصحيح، والتَّمحُّل لتعطيل اللفظ الصّريح؛ مع أنّه لامُنافاة في ذلك بين النَّقل والعقل؛ لأَنَّ العقل لا يُحيل


(١) الرَّسْعَنَي (٥٨٩ - ٦٦١ هـ):هو عبدالرزاق بن رزق الله بن أبي بكر الجزري، عزَّ الدين أبو محمد الرسعني الحنبلي إمام حافظ متفنن رحَّال، من مصنَّفاته: "مقتل الشهيد الحسين - رضي الله عنه - " =انظر: "تذكرة الحفَّاظ"للذهبي (٤/ ١٤٥٢).
(٢) يعني: الزمخشريَّ.

<<  <   >  >>