المطلب الثاني: سَوْق دعوى المعارِض العقلي على حديثَيْ شقّ صدر النبي - صلى الله عليه وسلم - وإسلام شيطانه.
حاصل الاعتراضات العقليَّة على هذين الحديثين تتلخَّص في الأمور التالية:
الأول: أنّ قبول حديث "شق صدره - صلى الله عليه وسلم -، وانتزاع حظِّ الشيطان منه"؛ يلزم منه الجَبْرُ، ونفْي الاختيار للنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ إذِ انتزاعُ حظّ الشيطان منه، لا يُفهَم منه إلَاّ سلبُ حريّة الإرادة والاختيار الثابتة لكل أحدٍ.
الثاني: أنّ لازمَ إثبات هذين الحديثين؛ الوقوع في التناقض؛ ذلك أن الحديث الأول يُفهم منه إزالة حظّ الشيطان بالمرّة؛ فلم يعد يوسوس له. وفي حديث إسلام شيطانه - صلى الله عليه وسلم - يلزم منه رجوعه بالوسوسة والتسلّط عليه.
الثالث: أن الحديث من الأخبار الظنّية، ومفادُه مما يجري مجرى العقائد؛ لأن موضوعه الغيب؛ وهذا الباب لا يُقبَل فيه إلاّ القطع، ولا يفيد فيه إلاّ اليقين؛ لا الظّنّ.
الرابع: أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - وُلِد مختونًا مسرورًا، فلِمَ لمْ يُولَد كذلك مُبرَّءًا قلبُه من حظّ الشيطان، دون حاجة إلى شقّ صدرٍ، أو غيرِه.
هذه جملة الاعتراضات التي ساقها أصحابها على هذا الحديث.
فأمّا الاعتراضان الأوّلان، فيقول "حسن حنفي" في تقريرهما: ( .. فإذا كان الله قد قرن بكل إنسانٍ شيطانًا، وأنّ الله تعالى أعان النبي على شيطانه؛ فأسلَم، فلا يأمره إلاّ بخير = فذاك أيضًا قضاءٌ على حرية الفعل الإنساني أصلًا، وبالتالي يضيعُ الاستحقاق، ووضع النبي في مرتبة أعلى من سائر البشر أقربُ إلى " الملائكة " منهم إلى سائر الخلق = فيستحيل