للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث الدالة على بقاء الجنة والنار]

ومجمل القول في نقض دعوى الجهم، وأبي الهذيل في دعواهما: بامتناع وجود حوادث لا تتناهى في المستقبل؛ بأن يقال:

١ - إنّ هذه الدعوى قول مبتدَع، لم يشهد له نَصٌّ من كتاب أو سنة , ولم يُعرف القول به عند الصحابة رضوان الله عليهم , ولا عند التابعين (١). فكيف تُجعَل المحدثات ميزانًا توزن به الحقائق الشرعية؟!.

٢ - إنَّ هذا القول الذي نَصَرهُ الجهم تشبّث به من جاء بعدُ؛ إنما جاء ليكون دعامة لتوطيد أصلهم بأن: " ما لا يخلو من الحوادث فهو حادث "؛ إذْ الدليل هو الطريق الوحيد عند المتكلمين للبرهنة على حَدَثِ العالم؛ ومِنْ ثَمَّ إثبات قِدَمِ الصانع. وهذا الدليل مع خفاء مقدماته، وصعوبته ووعورته على كثير من النظّار؛ فضلًا عن غيرهم = لا حاجة لأهل الإيمان إليه؛ لأنّ الضرورة تدرك أن أعيان المحدثات لا بُدَّ لها من مُحْدِث , وأن هذه المحدثات تفتقر إلى ربٍّ غني لذاته، مستغنٍ عن غيره , متّصِفٍ بالكمال (٢). فإذا انضاف إلى هذه الضرورة، الدلائل الشرعية المتضمنة للبراهين العقلية والتي تُبِينُ أنَّ كلَّ ما سوى الله حادث = أغنت تلك البراهين عن مثل هذه الطريقة البدعية، التي تخلو عن البرهان، ولا تُفْضي في الوقت نفسه إلى يقين.

٣ - أنه لا يلزم من القول بوجود ما لا يتناهى من الحوادث أن يكون كل فردٍ من تلك الحوادث قديمًا؛ فإن الغَلَط دخل على هؤلاء


(١) انظر"منهاج السنة" (١/ ٤٢٥) ,و"شرح العقيدة الطحاوية" (٢/ ٦٢١).
(٢) "مجموع الفتاوى" (١/ ٤٧).

<<  <   >  >>