[المطلب الثالث: نقض دعوى المعارض العقلي على أحاديث نزول عيسى - عليها السلام -]
والجواب عما اعترض به الطاعنون على تلك الأَحاديث , بأن يقال:
أولًا: أمّا دعواهم: بأن القول بنزول عيسى - عليها السلام - متّبعًا ـ هروبًا من الوقوع في مصادمة دلائل ختم النبوة ـ لا مُشرعًا = يُلْزِم القائلين به الوقوعَ في التناقض؛ لأنّ مَن كان متّبعًا لا يأمر الناس أن يؤمنوا به، ثم يجعل عقوبة من امتنع من ذلك القتل!
هذا حصيلة ما اعترض به المعترض , وقد تقدم سوق كلامه بحروفه.
والجواب عن ذلك: أنّ من أُصول النّظر في الدَّلائل الشرعية: النّظرَ إليها «كالصورة الواحدة؛ بحَسَبِ ما ثبت من كُليّاتِها، وجزئياتها المرتبة عليها , وعامِّها المُرتب على خاصها , ومُطْلَقِها المحمول على مُقيِّدها , ومُجْمَلها المفسَّر بمبينها. إلى ما سوى ذلك من مَنَاحيها. فإذا حَصَل للنَّاظر مِن جُمْلتها حُكْمٌ من الأحكام = فذلك هو الذي نطقت به حين اسْتُنْطِقَت»(١).
وبمقتضى هذه الأُصول فَهِمَ السلفُ أَحاديث نزول عيسى - عليها السلام - في ضوء فهمهم للأحاديث الدالة على ختم النبوة , ولم يكن القولُ بأن المسيح - عليها السلام - ينزل تابعًا لشريعة النبي - صلى الله عليه وسلم - = مِن عندياتهم , بل هو حاصل النظر في جُمْلة الأَخبار الواردة في ذلك. فأَخبار المصطفى - صلى الله عليه وسلم - لا تتناقض؛ لأنها حق وصدق:{فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} يونس: ٣٢.