للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المطلب الثاني: سَوْقُ دَعْوَى المعارِض العقليّ على أحاديث عذاب القبر ونعيمه:

مما استندَ إليه المُنكِرون لعذاب القَبْر ونعيمه جُملَةً = أنّ ذلك الإنكار نابعٌ عن مجموع ضرورتين، لا يمكن دفعُهما:

الضرورة الأولى: الضرورة العقلية.

الضرورة الثانية: الضرورة الحسيّة التجريبية.

أما الضرورة الأولى: أنَّه مِن المُحال عقلًا بعد موتِ الإنسان وتوسيدِه الثرى، وصيرورته إلى جثة هامدة لا حياة فيها = أن يشعر بالعذاب أو النعيم في قبره، أو أن تقع المساءلة والخطاب له؛ إذْ شرْطُ ذلك الحياةُ، والحياةُ زالت، والبنْيةُ قد انتقضت = فامتنع عقلًا ما ذُكِر في تلك الأحاديث (١).

أما الضرورة الأخرى: أننا - بعد طول التجارب - نكشفُ عن القَبْر، فلا نجدُ ملائكةً يضربون بمطارق من حديد، ولا نرى فيه حيّاتٍ، ولا ثعابينَ، ولا نيرانًا. بل نرى أجسادًا باليةً، أو عِظامًا نَخِرَةً. بل لو كشفنا عنه في كل حالةٍ لوجدْناه فيه، لم يذهبْ، ولم يتغيّرْ.

فكيف يصحّ بعد ذلك الزّعمُ بأنّ الميت يُقْعَدُ في قبره؟ مع كوننا لو وضعْنا زِئْبَقًا بين عينيه، أو دُخنًا على صدره، وأتيناه بعد برهة من الزمن؛ لَمَا تَغيّر زِئْبَقٌ، ولا دُخْنٌ عن وضْعِهما. ثم إنّا نفتح القَبْر فنجدُ لحْدًا ضيّقًا على قدْر ما حفرْناهُ؛ فكيف تزعمون أنّ القَبْر يتّسع له وللملكين السائلين له؟.


(١) انظر: "الإيضاح" لابن الزاغوني (٥٦١)،و"ترجيح أساليب القرآن" لابن الوزير (٣٣٤).

<<  <   >  >>