للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المطلب الثاني: سَوْق دعوى المعارِض العقلي عن حديث (لا تُشدّ الرحال)

ساق المخالفون جملةً من الاعتراضات العقلية؛ لإبطال دلالة الحديث الدالّ على المنع من شدّ الرحال إلى بقعة من البقاع؛ إلاّ ما استُثْنِيَ في الحديث من المساجد الثلاثة. وتتلخّص هذه الاعتراضات في التالي:

الأول: أنّ القول بجواز الزيارة للقبور، ومنْع الرحلة إليها = تناقضٌ؛ إذْ كيف يباح المقصد، وتُمنع الوسيلة؟!

وفي تقرير ذلك يقول الإخنائي كما نقله عنه الإمام ابن تيمية: (وكيف تكون الرحلة إلى القُربة معصيةٌ محرَّمة، والقصد المطلوبُ طاعةٌ معظَّمة؟ فالسفر إلى القبر من باب الوسائل إلى الطاعات؛ كنقل الخُطى إلى المساجد والجماعات = فلو علم هذا القائل ما في كلامه من الخطأ والزلل، وما اشتمل عليه قوله من المناقضة والخلل؛ لما أبدى لهم عواره، ولَسَتَر عنهم شنارَه) (١)

وقال السُّبكي مبينًا أدلة استحباب السفر إلى زيارة قبره - عليه السلام -: (إنَّ وسيلةَ القربة قربة، فإنَّ قواعدَ الشَّرعِ كلَّها تشهد بأنَّ الوسائلَ مُعتبرةٌ بالمَقَاصد. .ولاشكَّ أَنَّ المتوسِّل إلى قُربة بمباح فيه مَشقة كالسَّفر وغيره =مُتحمِّلٌ لتلك المَشقّةِ من أجل الله تعالى فهو بعين الله والله ناظرٌ إليهِ) (٢)


(١) "الإخنائية"لابن تيمية (٣٩١) و الإخنائي (٦٥٨ - ٧٥٠ هـ):هو محمد بن أبي بكر بن عيسى بن بدران السعدي المصري =تقي الدين الإخنائي المالكي، من قضاة مصر =انظر: "شجرة النور الزكية" (١/ ١٨٧)
(٢) "شِفاء السقام"للسُّبكي (٨٦) وانظر: "الجوهر المنظم"للهيتمي (٥٤)،والسبكي (٦٨٣ - ٧٥٦ هـ):هو علي بن عبدالكافي بن علي بن تمام السبكي تقي الدين أبو الحسن، فقيه نظَّار من أعلام الشّافعية تولى قضاء دمشق=انظر"البدر الطالع" (٤٧٠)

<<  <   >  >>