المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث الدالة على أنّ شدة الحر والبرد من جهنم:
أمّا الجواب عن الشبهة الأولى؛ وهي دعواهم: أَن هذه الأَحاديث تخالف الحقيقة العلمية .. إلخ.
فيقال: إن هذه الأَحاديث خَبَرٌ من النبي - صلى الله عليه وسلم -[الموحى إليه] عن مالك الحقيقة وخالقها سبحانه وتعالى. وما ساقه الطاعنون مما تقرر في علوم الجغرافيا وغيرها = هو خَبَرٌ عمن يبحث عن الحقيقة؛ وقد يصيبها، وقد يخطئها. ومنهَج العقل يَقضي بتقديم خبر مالك الحقيقة وخالقها على خبر من يبحث عنها ولا يملكها. ... فالعقل المَهْدي يَعْلمُ يقينًا - بعد تحققه من صحة ثبوت الخبر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يمكن أن يقع ما نطق به الوحي معارضًا للحقيقة الحسية؛ فإن الحقَّ لا يتناقض.
ويُعلَم أيضًا: أن في الحق ما قد يحار فيه؛ لِضَعْفِ مُدْركاته عن الإحاطة بكل حقيقة.
وطعْن الطاعن في هذا الحديث وغيره نابعٌ عن خطأَين مَنْهجيين:
الأوَّل: هو ظنه أنه يمكن أن يتناقض الحقُّ. أعني: أن يتناقض الخبر النبوي الذي يمثل في حقيقته وحيًا، والعقل بمداركه الفطرية. والتناقض مبني على تقدير الخصومة النكدة بينهما.
الثاني: ظنه أَنَّ المعارف البشرية عن الطبيعة تُمثِّل المَرجعيَّة النِّهائية عن الكون وما فيه؛ في حين أن الأمر بخلاف ذلك؛ فالتراكمية والنسبية تكتنفان كثيرًا من معارفِ البشر، التي ترتكز على وسائل تخضع للتجدد والتطور؛ الّلذين يُحيلان ما ظُنّ قَبلُ أنه حقائق أنها لا تعدو أن تكون نظريات، فضلًا عن أن تكون فرضيات!