المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المتعلِّقة بحقيقة الإِيمان.
أمَّا بطلان المعارض الأول: وهي دعوى: استحالة التفاوت في حقيقة الإيمان، فيقوم على أصلين: الأوَّل: هدْميّ. والثاني: إنشائي.
فأمَّا الأصل الأول: فبمنع ما ادَّعوه من استحالة حصول التفاوت، وذلك يتأتى بذكر مقامين:
الأول: نقض ما أصلّوه في هذا الباب.
الثاني: المعارضةُ على سبيل القلب لدليلهم.
أمَّا النقض، فيقال:
لا يُسلِّمُ أهل السنة بأنَّ القول بدخول العمل في مسمَّى الإيمان مع القول بزيادته ونقصه ووقوع التفاوت فيه= أَنَّه من باب التناقضِ؛ لأنَّ منشأ الخطأ عدم تفريق المخالفين لأهل السنة بين ماهو ركنٌ في الإيمان لايتحقق الإيمان إلَاّ به، وبين ماهو واجبٌ لتحقيق كماله الواجب.
فجميع المخالفين لأهل السنة سوَّوْا بين مُختلفين في الحقيقة، فركن الشيء ليس بمثابة ماهو واجب فيه، فوقوع المخالفة بارتكاب الكبيرة ليست في الواقع نقضًا للالتزام بالعمل الذي هو ركنٌ في الإيمان، وإنَّما هو نقص في التزامه، فينتفي عنه بسبب هذه المخالفة كمالُ الإيمان الواجب (١)،والنُّصوص على ذلك متضافرة.
وأمّا إلزام الوعيدية والمرجئة مَن جَعَلَ الإيمانَ مُركَّبًا؛ أَن يذهب إلى القول بزوال الإيمان كلِّه بزوال جزئه =فإنَّ ذلك لا يلزم عند التحقيق. بل ما جعلوه لازمًا باطلٌ نقلًا، وحِسًّا؛ لأنَّ الحقيقةَ الجامعةَ
(١) انظر: "أصول المخالفين لأهل السنة والجماعة"للدكتور عبد الله القرني (٣٢ - ٣٣)