المطلب الثَّاني: سوق دعوى المعارض العقلي على حديث لطم موسى عليه السلام لملك الموت.
أحال هذا الحديث فئامٌ من الخلق من المتقدمين والمتأخرين، صَعُب عليهم دَرك مَراميه، واعتلُّوا بجُملةٍ من المعارضات التي لا تنهض إلى ردِّ الحديث، وهي كالتَّالي:
الأوَّل: كيف استطاع موسى - عليه السلام -، وهو بَشَرٌ أن يُبصر ملك الموت، وأَن يفقأ عينه، والملكُ ليس بجسمٍ كثيفٍ حتى يتسنَّى لموسى - عليه السلام - أن يبصرَه؛ فضلًا أَن يفقأ عينه؟
الثاني: أنَّ في فعل موسى مع الملك وشكاية الملك له = إخلالًا بما يليق من الأدب مع الله؛ إذ كيف جاز لموسى - عليه السلام - إهانة رسوله الملكي من غير نصرة من الله له (١)
الثالث: أنَّ في فعل موسى - عليه السلام - منافاة لجناب النبوة، ورتبة الرِّسالة من جهات:
الأولى: أنَّ في فقئه لعين الملك مراغمة لمُرْسله وهو الله تعالى، إذ لو فقأ أَحدنا عين واحدٍ من النَّاسِ لَعُدَّ ذلك استطالةً، وبغيًا، وفسقًا =فكيف حال من فقأ عين ملك مقرب؟ لا ريب أنَّ فسقه أعظم وأبين.
الجهة الثانية: أَنَّه مُنافٍ لما ينبغي أن يكون عليه عباد الله الصالحون من عظيم الرَّغبة والشوقِ للقاءِ الله؛ فضلًا عن خاصة عباد الله وهم "رسل الله" الَّذين هم مَحلُّ الاقتداءِ فـ: (مالذي يكرهه موسى من
(١) انظر: "توضيح طرق الرشاد" للقاضي محمد العلوي (١٩٧)