المطلب الثالث: دفع المعارض العقلي عن حديث: (بال الشيطان في أُذُنه)
والجواب عن الشبهة الأُولى يتحصّل في مقامين:
الأول: مقامٌ مُجْمَل.
الثاني: مقامٌ مفصّل.
فأما المقام الأول: فيقال: إن البول المضاف إلى الشيطان حقيقة غيبية أَخبر بها الصادق - صلى الله عليه وسلم -. والعقل دل على صدق نبوته ورسالته = فوجب الإذعان لكل ما يخبر به؛ وإلا لوقع التناقض بين تصديق نبوته، وبين تكذيب خبره.
وأما المقام المفصّل، فيقال: إنه كما أنَّ الشيطان غيبٌ يؤمن به المعترض - كما هو ظاهر -. وهذا الغيب لا يملك الحس نفيه ولا إثباته في ذاته، وإنما يحكم العقل بتوسّط الحس على وجوده بأثره المشهود في الواقع = فكذلك بوله غيب، يلزمُه التصديق بخبر الصادق فيه، كما التزمه في أصله؛ وإلا فالإقرار بالأول دون الثاني مع أن كليهما داخلٌ في مفهوم الغيب = هو عين التناقض.
فقول إمام حنفي:«فهل وجدت أحدًا جاءك ببول الشيطان، أو شاهد نكاحه؟ .. » إلخ بَناهُ على غلطين:
الأول: أنه قاس بول الشيطان على بول الآدمي؛ في كون الآخر معلومًا لديه في خبرته الحسية، فَظَنَّ أن يكون الثَّاني مثله ليُعَاينه، وهذا قياس فاسد؛ لاختلاف حقيقة كل منهما.
الثاني: أنه فاته أن حقيقة البول تابعة لحقيقة مَنْ أُضيف إليه هذا الأمر؛ فكما أن الشيطان لا يُشهَد بالحسّ، فبوله آخذٌ حُكْم أصله.
واعْجَبْ لقوله: «من أين لك أن الشيطان يأكل ويشرب؟ وإذا ثبت