(٢) اختلف العلماء في المراد بتقدير الله لمعصية آدم قبل خلقه بأربعين سنة، ومَنشأ الاختلاف ما قد يَعْرضُ للوهم أن الحديث معارض لما ثبت من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص كما في صحيح مسلم (٤/ ٢٠٤٤ - رقم [٢٦٥٣]) أن كتابة المقادير= =متحققة قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، إذْ إنه يلزم من ذلك أن تقدير معصية آدم متأخر عن كتابة المقادير، فلا يشملها التقدير المتقدم. = والحاصل: أنه يمكن الإجابة عن هذا المعارض بالتالي: أن تقدير معصية آدم مخصوص من التقدير العام المتقدم، فتكون الكتابة حاصلة قبل خلق آدم بأربعين سنة. وقد يكون وقوعها مدة لبثه طينًا إلى أن نُفِخت فيه الروح؛ على ما رُوِيَ أن مابين تصويره ونفخ الروح فيه كان مدة أربعين سنة. وكلا التقديرين العام والخاص قد أحاط الله بهما علمًا = وهذا القول اختاره ابن الجوزي - رحمه الله -. انظر: "كشف مشكل أحاديث الصحيحين" (٣/ ٣٨٣). أن هذا التقدير حاصل بعد التقدير الأول، والتقدير الأول قد انتظمه واشتمل عليه، فلم يخرج عنه = وهذا اختيار ابن قيم الجوزية = انظر: "شفاء العليل" (١/ ٨٢).
أن هذه الكتابة هي الكتابة في التوراة، كما ورد في بعض طرق الحديث: (فبكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن أخلق؟ قال موسى: بأربعين عامًا، قال آدم: فهل وجدت فيها: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} طه: ١٢١ قال: نعم) هذا اختيار المازري = انظر: "المعلم" (٣/ ١٧٨). (٣) رواه البخاري في كتاب: "القدر"، باب "تحاج آدم وموسى عند الله" (١٣٩٢ - رقم [٦٦١٤])، ومسلم كتاب "القدر" باب "حجاج آدم وموسى عليهما السلام" (٤/ ٢٠٤٢ ... - رقم [٢٦٥٢]).