المطلب الثاني: سَوق دعوى المعارض العقلي على حديث (ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان):
ومما أورده المخالفون من المعارضات العقلية على هذا الحديث؛ ما يلي:
أولًا: أنّ إبليس لو تسلّط على النّاس لينخسهم لامتلأت الدنيا صراخًا وعياطًا من نخْسِه:
وقد أبدى هذا الاعتراض:"أبو القاسم الزمخشري"، فقال:(أمّا حقيقة المَسّ والنّخس كما يتوهّم أهل الحشو = فَكَلَّا. ولو سُلِّط إبليس على النّاس لامتلأت الدُّنيا صُراخًا وعياطًا مما يبلونا به مِنْ نَخْسِه)(١).
وتابَعه على هذا الاعتراض:"ابن الملك"؛ حيث مَنَع حمْل النخس على المسّ الحسّي، وأوَّله على أن المراد به هنا: الإغواء - كما تقدّم عند الزمخشري- وعِلّة منْعه: أن الحمْل على الحقيقة ممتنع عقلًا. وفي تقرير ذلك يقول: (ذهب الشارحون إلى أن المراد به: المسّ الحسّي ... وفيه نظر؛ لأن استعاذتها تجوز أن تكون من الإغواء، لا من المسّ؛ ولأن الاستعاذة كانت بعد وضْعها، والمسُّ إنما كان بحال الولادة. على أنّ العقل يأبى مما قالوا؛ لأن الشيطان لو سُلِّط على النّاس بنخْسهم لامتلأت الدنيا صراخًا. والأوْجَهُ: أن المراد من المسّ الطمعُ في الإغواء، لا حقيقة المسّ.
فإن قيل: لو كانت كذلك لما اختصّ مريم وعيسى بالاستثناء؛ لأنّ المخلصين كلهم كذلك.