للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الثالث تقويض النظرة الاختزالية للسُّنَّة النبوية

إن المُتحقِّق -واقعًا- من سَلَفِ الأمة: الاحتجاج بنصِّ السُّنةِ المروية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ متى توفرت شرائط الصحة فيها، بأن يرويها العدولُ الضابطون، بالسّند المتصل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لا فرق في هذا الاحتجاج بين ما يتعلق بأصول الديانةِ أو فروعها. وقد كان الأَمر كذلك إلى أنْ نَجَمَ أَهل الاعتزال، الذين استولدوا أصولًا مفارِقة لمادلت عليه القواطع الشرعية؛ فكان من لوازم الحفاظ على المذهب تضييق المسالك الناقضة لأُصولهم؛ فَعَمدوا إلى السُّنة:

فشطروها إلى متواترٍ: أبان عنه القاضي عبد الجبار بقوله: (ما يُعلم صِدْقُه اضطرارًا: فكالأخبار المتواترة؛ نحو الخبر عن البلدان والملوك، وما يجري هذا المجرى، ونحو: خَبَرِ مَنْ يخبرنا أَن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتديَّن بالصلوات الخمس، وإيتاء الزكاة، والحج إلى بيت الله الحرام. وغير ذلك=فإن ما هذا سبيله يُعْلَم اضطرارًا) (١).

وإلى آحادٍ: وهو ما حَدّه الباقلاني بقوله: (كلّ خَبَرٍ قَصُرَ عن إيجاب العلم ... سواء ... رواه الواحد، أو الجماعة التي تزيد على الواحد) (٢).

وهذا الاختزال والانغلاق في الاحتجاج - في الظاهر - على دائرة القرآن والسنة المتواترة؛ مِن قِبَل المعتزلة وغيرهم = كان مقصودًا؛ إذْ راموا به حماية ما أَثلوه من أُصولٍ. لذا قال الإمامُ أبو المُظَفَّر


(١) "شرح الأصول الخمسة" (٧٦٨)
(٢) "تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل"للباقلَاّني (١٢٥)

<<  <   >  >>