للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السمعاني: (أمَّا مخالفونا فجعلوا قاعدةَ مذاهبِهم المعقولات والآراء، وبنوا الكتاب والسُّنَّة عليها، وطلبوا التأويلات المُسْتكرهة، وركبوا كُلَّ صعب وذلول وسلكوا كُلَّ وعر وسهل، وأطلقوا أعنَّة عقولهم كلَّ الإطلاق، فهجَمَتْ بهم كُلَّ مهجم وعثرت بهم كُلَّ عِثار؛ ثمَّ إذا لم يجدوا وجهًا للتأويل =طلبوا ردَّ السُّنن بكُلِّ حيلة يحتالونها، ومكيدة يكيدونها؛ ليستقيم وجهُ رأيهِم، وجِهةُ معْقولِهم، فقَسَّموا الأقسامَ ونوَّعوا الأَنواع، وعرضوا الأحاديث عليها، فما لم يوافقها ردوها، وأساؤا الظَّنَّ بنقلتها، ورموهم بما نزَّههم الله عنه (١)؛ فإن القرآن يَرِدُ على أَلفَاظِهِ المعاني المختلفة؛ من مجازٍ، واشتراك، وغير ذلك؛ فهو حَمَّال أوْجهٍ.

وأما السّنة فإن تفتيتها إلى هذين القسمين؛ إنما جاء لعلمهم أنّ رَسْم المتواتر بشروطه التي ذكروها لا تكاد تظفر به في كتب السنة. ولذا فقد نَصَّ غير واحدٍ من الأئمة على تعسُّر ضَرْب أمثلة صالحة لهذا القِسْم. فقد قال أبو عمرو بن الصلاح - رحمه الله - في ذلك: ( ... المتواترُ: الذي يذكره أَهل الفقه وأُصوله. وأَهل الحديث لا يذْكرونه باسْمِهِ الخاصِ، المُشْعِر بمعناه الخاص. وإن كان الحافظُ الخطيبُ قد ذكره ففي كلامِهِ ما يُشْعِرُ بأنه اتّبع فيه غيرَ أَهل الحديث. ولعلَّ ذلك لكونه لا تشمله صناعتهم، ولا يكاد يوجد في رواياتهم؛ فإنه عبارة عن: الخبر الذي ينقله من يحصُل العلم بِصِدْقه ضرورةً، ولا بد في إسناده من استمرار هذا الشرط في رواته؛ من أوله إلى مُنْتهاه = ومن سئل عن إِبراز مثالٍ لذلك فيما يروى من الحديث = أعياه تطلُّبُه. . نعم، حديث: (من كذب علي متعمدًا. .) نراه مِثَالًا لذلك ... ) (٢) .


(١) "قواطع الأدلة"لأبي المظفر السمعاني (٢/ ٤١٢)
(٢) "علوم الحديث"لابن الصلاح (٢٦٧ - ٢٦٨)

<<  <   >  >>