المطلب الثالث: دفْع المعارِض العقلي عن حديث (لا تُشدّ الرحال. .)
أمّا الاعتراض الأول؛ وهو زعمهم أنَّ القول بجواز الزيارة ومنع الرحلة تناقضٌ.
فالجواب عن هذا الاعتراض: أنّ التَّناقضَ في مسألتنا هذه مُنتَفٍ؛ لانفكاك مسألة شدّ الرحال عن مسألة الزيارة. إذ لم يقل المانعون بجواز شدّ الرحال ومنعِه في آنٍ واحدٍ؛ ليصحّ التناقض. ولم تَجْرِ أقلامُهم بتجويز الزيارة، ثم منعوا من كلِّ وسائلها المشروعة.
نعم؛ ما لا يتمّ المشروع إلاّ به، ولا مانع منه = فهو مشروعٌ بلا ريب. فليس كل وسيلةٍ يصح أن يتوسل بها إلى مقصد مرادٍ للشارع؛ مع اطمئناننا أن الشارع لا يمكن أن يحثّ على تحقيق مقصدٍ ومطلبٍ ويمنع كل الوسائل المفضية إلى تحقيق ذلك المقصد. وبذا يُعلم أن قاعدة «الوسائل لها أحكام المقاصد» قاعدة أغلبيّة ليست مطّردة. أو إن شئت فقل: قاعدةٌ لا بدّ لها في صحّتها من أمرين:
١ - توفّر الشروط.
٢ - انتفاء الموانع.
ومن تلك الموانع المانعة من صلاحية وسيلةٍ ما: ورودُ النصِّ بعدم اعتبار هذه الوسيلة وإلغائها. فـ (القواعد والأصول يجوز تخصيصُها بدليلٍ أقوى منها)(١) فإطلاقُ مَن أطلق مِن الأصوليين؛ أنّ:(كلَّ وسيلة إلى المطلوب تكون مطلوبةً) إطلاقٌ غيرُ سديد؛ لذا تعقّب الإمام المقري - رحمه الله - القرافيَّ في إطلاقه لتلك القاعدة، بقوله: (فيه نظر. والتحقيق: كلّ ما