المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث: (إذا سمعتم صياح الدِّيكة فاسألوا الله من فضله .. وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوَّذوا بالله من الشيطان).
وحديث:(إذا نودي للصَّلاة أدبر الشيطان وله ضراط .. ).
الجواب عن المعارض الأول؛ وهو: دعوى أن الحديث يكذبه الحسّ إلخ ... في الوجوه التالية:
الوجه الأول: أن الحديث قد رواه الأئمة، واستهم الشراح في بيانه، فلم يقع لواحد الإدلاء بهذا الاعتراض الذي اعترض به المعترض، مع سداد فهومهم، وذكاء عقولهم. فتفرُّده بهذا الاعتراض على الحديث ينبئك عن مقدار فهمه في جنب فهوم أولئك الأعلام.
الوجه الثاني: أن الحديث بتمامه من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ودعوى أن تعليل صياح الديكة في الحديث هو من إدراج أبي هريرة - رضي الله عنه - = دعوى يُعوزها البرهان، ولم أر أحدًا من نقّاد الحديث صرح بذلك، مع كونهم أعلى عينًا بما تصح نسبته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومالا تصح، والمعترض إنما نصب هذه الدعوى - فيما يظهر - لئلا يستوحش الناظر من طعنه في الحديث، وتكذيبه له؛ بدعوى مخالفته الواقع.
الوجه الثالث: أن الحديث أخبر عن أمر غيبي لا يقع للعقل إدراك كُنْهِهِ؛ لعجزه، ولقصور الواسطة الناقلة للعقل - وهي: الحواس - عن تحصّل هذا الإدراك. فإذا تحقق ذلك فلا طريق إلى معرفة هذا الغيب إلا عن طريق الوحي، وحينئذ يجب الإيمان بما أخبر به الصادق - صلى الله عليه وسلم -؛ وذلك من مقتضيات الإيمان بالرسول - صلى الله عليه وسلم -.
وبناءً على ما قُرِّر يتبين لك أن دعوى المعترض أنه لو كانت الدّيكة تصيح عند رؤيتها للملائكة، مع كون كل إنسان محاطًا بملائكة يحفظونه،