وملكين يكتبان أعماله؛ للزم من ذلك أن تصيح كل وقت = دعوى باطلة، ذلك أن حصول صياح الديكة عند رؤية الملك، وكذا نهيق الحمار عند رؤية الشيطان؛ لا يلزم منهما أن يكونا عند رؤية الديكة لكل مَلَك، وكذا نهيق الحمار عند رؤية الحمار لكل شيطان؛ لأن الذي أشهد كُلًا منهما لرؤية مالا يراه البشر = قادرٌ أن يحجب عن الديكة رؤيةَ الملائكة الحفظة، والملكين الموكلين بكتابة الأعمال. وعن الحمار: قرين الإنسان، والشيطان حين إدباره بسماعه الأذان.
وقوله:(وقديمًا قال علماء الحديث: أكذب الحديث ما كذّبته المشاهدة والواقع المحسوس) لا مستمسك له فيه؛ بل هو حجة عليه. وذلك أننا لمَّا لم نسمع صياح الديكة في كل وقت، مع رؤيتها للإنسان الذي لا يخلو من اقتران الملائكة به = عَلِمنا بدلالة الواقع عدم شهود الديكة رؤية الملائكة في كل حين. وما يقال في صياح الديك ينسحب حكمه لنهيق الحمار. هذه واحدة.
والثانية: أن غاية ما دل عليه الحديث: أن وقوع الصياح من الدِّيَكة هو دليل على رؤيتها للمَلَك، فانتفاء الصياح دليل على انتفاء الرؤية؛ لأنَّ انتفاء اللازم دليل على انتفاء الملزوم، لكن لا تلازم بين انتفاء صياحها لانتفاء الرؤية=وانتفاء وجود الملائكة =لأنَّ النصوص قد أبانت عن شهود الملائكة للإنس، وكتابة بعضهم لأعمالهم؛ وهذا مقطوع به.
والثالثة: أن تحريرَ مقاصد أئمة الحديث فيما قعّدوه من أن كل خبر كذّبه الحسّ فهو باطل (١) =أمر متحتّم؛ وذلك ليُفهم مواقع كلامهم، فلا يستروح إلى طعن النصوص بمجرد ما ينشأ في وَهْم الطاعن أنه مخالفة