المطلب الثَّالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن أحاديث سحر النبي - صلى الله عليه وسلم -:
وأما الجواب عن المعارض الأوّل، وهو: دعوى أنَّ إثبات الحديث يلزم منه بطلان النبوة ..
فيقال: لا يلزم عند التحقيق من إثبات تلك الأحاديث بطلان النُّبوّة إلاعندّ من سوّى بين معجزات الأَنبياءِ وبين ما تأتي به السَّحرة والكهان، ولم يثبت فرقًا يعود إلى جنس كلٍّ منهما، ولا فرقًا يعود إلى قصد الخالق، ولا قدرته و لا حكمته.
وأمَّا على قول أهل السُّنّة والجماعة فإنّه لا يلزمُ؛ إذْ الفرق عندهم أجلى من الشَّمس بين آيات الأَنبياء وسحر السّحرة والكُهان في الحدِّ والحقيقة، ومن سوّى بينهما فقد قدح في معجزات الأَنبياء من حيثُ أراد تنزيههم، إذْ جعل الباب واحدًا لا فرق بين آيات الأنبياء ولا سحر السَّحرة، ولذا حتى يسلم باب النبوَّة عند المعتزلة أَنكروا خرق العادة لغير نبي، والتزموا لذلك إنكار السِّحر، وكرامات الأولياء وكلّ ما هو خارق للعادة (١)، فخالفوا بذلك مجموع علْمين: الأدلَّة الشّرعيَّة والبراهين العقليَّة الحسيّة الدَّالة على إثبات السحر وأَثره.
وأمّا الأَشاعرةُ فقد شاركوا المعتزلة في أَصلهم الفاسد، وفارقوهم بأن أَثبتوا أَنَّ للسحر حقيقةً وأَثرًا، وجوّزوا أَن يجري على يدِ النبي ماهو من جنس سحر السَّحَرة، وجعلوا الفرق بين آيات الأَنبياءِ وسحر السحرة،