للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هو مُجرد ادِّعاء النبوّة، وتحدِّي النبي بالإتيان بمثل ما جاء به، وتقريع مُخالفه بتعذُّر مثله عليه (١) .

وهذا التفريق باطلٌ؛ إذ حقيقته عدم اختصاص المعجزة بما يُميزها عن غيرها، ثم إنّ في تسويتهم بين جنس آيات الأنبياء وسحر السحرة= سْلبٌ لدلالة تلك الآيات أن تكون دالة بنفْسها على صدق الأَنبياء، فإنّ خاصّية الدليل ما يستلزم المدلول ويختصُّ به، فإن وقعت الشَّركة بينه وبين غيره، لم يعد دليلًا، والأوجه الدّالة على بطلان ما فرق به الأَشاعرة بين آيات الأنبياء وسحر السحرة، لا يفي المقام بذكرها (٢) .

وما ادَّعاه المعتزلة، ومن وافقهم كأبي بكر الجَصَّاص من أنَّ في ثبوت حديث عائشة -رضي الله عنها-وغيرها من الأحاديث الدَّالة على أنَّ للسحر حقيقة =إبطالًا لمعجزات الأنبياء، إذ يستوي حينئذٍ ما يأتون به، وما يأتي به السَّحرة؛ فدعوى غير صحيحة؛ إذ الفرق بين آيات الأَنبياء التي هي خارجة عن مقدور الإنس والجنّ الخارقة لسنن الله الكونية، التي اختصَّ الله بالقُدرة عليها، وسحر السحرة الذي لا يخرجُ عن كونه من العجائب لخروجه عن نظائره وعما اعتاده النَّاس=واضحٌ جلي، ويمكن بيان الفرق بينهما بغير ما ذكر، في الوجوه التَّالية:

الأول: أَن النَّبيَّ صادقٌ فيما يُخْبِرُ به عن الكُتُبِ، لا يكذب قطُّ، ومن خالفهم من السَّحرة والكُهان، لا بدّ أَن يكذب؛ كما قال تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (٢٢١) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٢٢٢)} الشعراء.


(١) انظر: "البيان عن الفرق بين المعجزات والكرامات والحيل" للباقلَّاني (٩٣)، و"النبوات" لشيخ الإسلام ابن تيمية (١/ ٢٢٥، ٤٨٥)، و"حقيقة المعجزة وشروطها عند الأشاعرة " للدكتور عبد الله القرني.
(٢) انظر: "النُّبوَّات" (١/ ٢٣٠ - ٢٤٤)

<<  <   >  >>