المطلب الثَّالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث لطم موسى عليه السلام لملك الموت.
الجواب عن المعارض الأوَّل: وهو دعواهم أنّ في فعل موسى - عليه السلام - بالملك وعدم نصرة الله لرسوله الملكي، إخلال بما يليق بالله تعالى .. إلخ
فيقال: هذا قد يصحُّ لو كان فعل موسى - عليه السلام - صادرًا عن بَغي وعُدوان، وعلمٍ بحال الملك، وقد تقدَّمَ أن موسى - عليه السلام - خفي عليه حال الملك ورأى رجلًا في داره بغير إذنه فلطمه، ففعلُه هذا لا حرج عليه فيه؛ لكون ذلك مباحًا في شريعته كما هو الأمر في شريعتنا.
الجواب عن المعارض الثاني: وهو دعواهم: أَنَّ في فِعْلِه - عليه السلام - مراغمةً منه حيث اعتدى على رسول رسول الله، وكون ذلك لو فعله أحد من الناس لعُدَّ باغيًا فاسقًا .. إلخ
فيقال: إنّ ذلك قد يصحُّ لو عَلِمَ موسى - عليه السلام - بأنّ ذلك الداخل عليه هو ملك الموت، وقد استبان لك خفاء ذلك على موسى - عليه السلام -، وأنَّ هذا هو اللائق الَّذي ينبغي حَمْلُ فعله عليه. ثمَّ إنّ صنيع موسى - عليه السلام - مع الملك ليس بأقلّ من صنيعه بهارون - عليه السلام - حين أخذ يجرُّ بلحيته وبرأسه فـ (ليس الجرُّ، والخشونة، والغلظة، والدَّفعُ=بأقل من الدَّفعِ عنك بالخُشُونةِ والغِلظة، وهو الصكُّ واللطم دفع عنك بِغِلْظةٍ وخشونة فما سواه، وليس هارون بأدون منزلة من مَلَك الموت-صلوات الله عليهما-، بل هو أَجلُّ قدرًا منه، وأعلى مرتبة، وأَبينُ فَضْلًا .. ؛ لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - نبي مُرسل .. ، وهو مع جليل قدره في نُبُوَّته، وعلو درجته في رسالته أخو لموسى لأبيه وأمِّه، وأكبرُ سِنًّا)(١)
وكأنَّ الوحشةَ لما تضمَّنه حديث لطم ملك الموت إِنَّما وقعت للمنكرين دون أخذه بلحية أخيه هارون - عليه السلام -، لورود الأوّل عن طريق الحديث، لا القرآن، وإلاّ فكلتا الحادثتين بينهما قدر مُشترك.