للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على الأحاديث الدَّالة على وجود الجن والشياطين:

احتج المنكرون لوجود الجن والشياطين بعدد من المعارضات العقليَّة. وضَبْط القول فيها: أَنَّها ترجع عند التحقيق إلى شُبْهةِ عَدَم شهود الحسّ لهاتين الحقيقتين. وهذه الاعتراضات كالآتي:

الاعتراض الأول: إن الجنّ لو كانوا موجودين يلزم؛ إمّا أن يكونوا أجسامًا كثيفة، أو لطيفة. والقسمان باطلان = فبطل القول بوجودهم؛ وذلك أنه يمتنع أن يكونوا أجسامًا كثيفة، ثم لا يقع تسليم الحس بإدراكهم. وكذلك يمتنع أن يكونوا أجسامًا لطيفةً؛ إذ لو كانت كذلك لوجب أن تتمزّق، أو تتفرّق عند هبوب الرياح العاصفة القويّة، ويلزم أيضًا: أن لا يكون لها قوة وقدرة على الأعمال الشاقّة (١).

الاعتراض الثاني: أن هذه الأشخاص المسمّاة " الجنّ" إن كانوا حاضرين في هذا العالَم مُخَالِطين للبشر فالظَّاهر الغالب أن يحصل لهم بسبب طول المُخالَطةِ أحدُ أمرين: إما صداقةٌ، أو عداوة. فإن حصلت الأولى وَجَب ظهور المنافع بسبب تلك الصداقة. وإن كانت الأخرى وجب ظهور المضار، بسبب تلك العداوة = والواقع أنه لا يُرى أثر؛ لا من تلك الصداقة، ولا من تلك العداوة. وانتفاءُ الأثر يدلّ على انتفاء المؤثّر (٢).

الاعتراض الثالث: أَنَّ طريقَ إثبات وجود الجنّ؛ إمَّا أن يكون الحسّ، وإمَّا الخبرُ:


(١) انظر: "مفاتيح الغيب" للرَّازي (١/ ٨٠).
(٢) انظر: "المصدر السابق" (١/ ٨٠).

<<  <   >  >>