المطلب الثالث: دفع دعوى المعارِض العقلي عن أحاديث الإسراء والمعراج:
• الجواب عن المعارض الأول: وهو زعمُهم: أن الإسراء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - إلى بيت المقدس، والعروجَ به؛ كلُّ ذلك في ليلة واحدةٍ مما يحيله العقل.
فيقال: فرْقٌ بين إحالة الحسّ لذلك؛ لعدم مباشرته له، وأن يكون ذلك من محارات العقل وبين أن يحيل العقل ذلك. فأمّا الأول؛ فنَعَم. وهذا مما اختَصَّ الله به أنبياءَه عليهم الصلاة والسلام؛ فإنّ حادثة الإسراء والمعراج ممّا خَصَّ الله به النبي - صلى الله عليه وسلم - من دون سائر الأنبياء.
فخروجُها عن سنن الكون والعادة ظاهرٌ ولا شكّ فيه، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد أقام حجته، ونصب براهين على صدقه في وقوع ذلك له؛ ذلك أنّه لمّا كذّبتْه قريشٌ، وسألوه عن أمرين يكشف بهما عن خبيئة صدقه؛ بأن طلبوا منه أن ينعت لهم بيت المقدس (١) فما كان من الصادق المصدوق إلاّ أن أجابهم عمّا سألوا، وأقام الدليلَ على صِدْقِه فيما أخبر به ممّا وقَع له.
فتحصَّل من ذلك: أنّ حادثة الإسراء والمعراج؛ وإن كانت خارجة عن مقدور الثقلين، خارقةً لما اعتادوه؛ ليتمَّ بها نَصْبُ الدلائل على نبوّته - صلى الله عليه وسلم - إلاّ أنها ليست مخالفة لبدايه العقل ألبتّة، والوحي قد أثبتها. فالتكذيبُ بهذه الأحاديث؛ لكونها أثبتت وقوع الإسراء والمعراج في ليلةٍ واحدة = يؤول إلى الطعن في كمال قدرة الله تعالى، وفي الإيمان به؛ فإن هذا الاعتراض وما بعده من الاعتراضات لا تصدرُ إلاّ ممن لا يؤمن
(١) أخرجه البخاري في "صحيحه" كتاب"التفسير"، باب "قوله تعالى {أسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام} " (٩٨٧ - رقم [٤٧١٠]) ,ومسلم، كتاب"الإيمان"، باب"ذكر المسيح الدجال" (١/ ١٥٦ - رقم [١٧٠])