للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالله، أو ممن يشكّ في قدرة الله جلّ جلاله. فمثل هؤلاء يكون الخطاب معهم في تثبيت هذا الأصل، فإذا ثبت ثبتَ ما بعده؛ فإنّ من عرفَ اللهَ حقّ المعرفة لا يصدر منه مثل ذلك.

ولن يتراخى بي القول إلى تقريب هذه المعجزة العظيمة التي أكرم الله بها نبيه - صلى الله عليه وسلم - بما استحدث من مخترعات حديثة؛ كان الناس يحيلون أن يقع مثلها؛ فإذا الذي كان بالأمس مُحالًا أصبح اليومَ أمرًا طبعيًّا لا غرابة فيه = أقول: لن يتراخى بي القولُ إلى هذا التقريب؛ لأنه لا يمكن المساواة بين هذه الآيات والبراهين الخارجة عن مقدور الثقلين، وبين ما لا يُعَدُّ كذلك؛ مما كان في وقتٍ من الأوقات مُحالًا، ثم أصبح لا غرابة فيه؛ لقصور العقل البشري عن الإدراك والإحاطة بكل شيءٍ جملةً واحدة. هذا مما ينبغي عقلُه وإدراكُه. فإن سلوك تقريب المعجزات والآيات إلى أذهان المنكرين؛ إلى حدّ تسويتها بما ليس بالغًا هذا المبلغ؛ مما يجري على وَفْق السنن والعادة = هو الضلال بعينه؛ فتأمّل.

فإنْ قيل: كَوْنُ حادثة الإسراء والمعراج ليست مخالِفةً لمناهج العقل وشرائطه؛ لا يقتضي أنّ كلّ ما كان كذلك أن يكون واقعًا حقًّا؛ فالعقل لا يحيل وجودَ جبلٍ من ذهب، أو بحرٍ من زئبق، لكن عدم الإحالة لا يلزم منه الوقوع.

فيقال: هذا حقٌّ ينطوي على مصائد للباطل؛ وتوضيح ذلك:

كَوْنُ كلّ ما لا يحيله العقل لا يلزم منه أن يكون واقعًا؛ هذا حقٌّ لا مرية فيه. ولكن؛ ما ليس بحقّ هنا نفْيُ الواقع لعدم استدلال الحِسّ عليه. فالحسُّ إن لم يستدلّ هنا على هذه المعجزة لعدم مباشرته لها؛ لا يعني انتفاء دليل تصحيحها، وإثباتها؛ فعدم الدليل ليس علمًا بالعدم؛ لأن جهة إثبات هذه الحادثة هو، إخبار الله سبحانه وتعالى عنها في كتابه، و تواتُر هذا الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،، ومن المحال نَقلًا وعقلًا أن يقع هذا التواتر من الجهتين

<<  <   >  >>