اللّتين أَبَنْتُ عنهما؛ ثم يكون هذا الأمر كذبًا بخلاف الواقع، فهذا لا يكون أبدًا ألبتّة. ثم إن التمادي في إنكار هذه الآية؛ لعدم دلالة الحسّ عليها؛ يستلزم إنكار جميع المعجزات والآيات التي جرت للأنبياء السابقين؛ فانقلابُ العصا ثعبانًا تبلعُ ما تجده أمامها من الحبال والعصيّ، ثم تعود في الحال عصًا كما كانت، لا ريب أنّ ذلك من خوارق العادات. كذلك؛ خروج الناقة العظيمة من الجبل الأصمّ، ونتْق الجبل فيكون في الهواء؛ كلّ ذلك يلزم إنكارُه. ومُنكِرُ ذلك لا شكّ أنه فرَّ من مخالفة الضرورة الحسّيّة - في ظنّه - إلى إنكار ما هو مقتضى الضرورة النَّقليَّة والعقلية.
• الثاني: فأمّا احتجاجهم على ردّ هذه الآية بقولهم: إن الجسم الكثيف يستحيل صعوده من الأرض إلى أعالي السماء.
فيقال: هذا القول في غاية الضعف؛ لثبوت النَّقل بضدّه، وشهادة الحسّ له بعكس ذلك.
فأمّا النَّقل: فقد تواترت الأخبار في وقائع متعدّدة على إثبات ذلك، مثل: حَمْل الرِّيح لنبي الله سليمان - عليه السلام - وهو جسم ثقيل على بساطٍ، ومعه أصحابه. وصعودُ عيسى - عليه السلام - إلى السماء، ونزوله قبل قيام الساعة. كما قال جلّ جلالُه: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٥٥)} آل عمران.
وحَمْلُ عرْشِ بلقيس من اليمن إلى الشام في لحظة. قال الله تعالى حاكيًا قولَ سليمان - رحمه الله -: {قَالَ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣٨) قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (٣٩) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (٤٠)} النمل.