للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذه الأخبار تدلّ دلالةً بيِّنةً على حدوث هذا الصعود لتلك الأجسام، وأنه أمر ممكن؛ فضلًا عن كونه واقعًا.

وأمّا شهادةُ الحِسّ لبعض ذلك: فقد ذكر شيخ الإسلام - رحمه الله - عن رجالٍ في زمانه وقبل زمانه؛ كانوا يُحمَلون في الهواء من مكان إلى آخر، وأنّ هذه الأخبار بلغت مبلغ التواتُر (١) .

وفي هذه الأَزمان ما يُوطِّد ذلك فأنت ترى المَركبات الهوائيَّة كالطَّائرات وغيرها وهي أَجسامٌ كثيفة تسبح في الهواء، ممَّا ينقض دعوى الاستحالة.

فهاتان الضرورتان: السَّمعيَّة، والحسّيَّة؛ تشهدان بجواز ذلك. ثم؛ إنّ مَن ينكر صعود الأجسام الكثيفة في الهواء؛ يلزمه على ذلك إنكارُ نزول الأجسام اللطيفة في اللحظة من السماء إلى الأرض. فيكون نزول جبريل - عليه السلام - من السماء إلى الأرض ممتنعًا؛ وهذا الإنكار يؤول إلى إنكار الشرائع، والطعن في النبوّة!.

يقول فخر الدين الرازي في تقرير ذلك: (إنه كما يُستبعَد في العقل (٢) صعود الكثيف من مركز العالَم إلى ما فوق العرش (٣)، فكذلك يُستبعَد نزول الجسم اللطيف الروحاني من فوق العرش إلى مركز العالَم؛ فإنْ كان القولُ بمعراج محمد - صلى الله عليه وسلم - في الليلة الواحدة ممتنعًا في العقول = كان القول بنزول جبريل - عليه الصلاة والسلام - من العرش إلى مكة في


(١) انظر: "الجواب الصحيح" (٣/ ٣٧٤)
(٢) هذا منه على سبيل الإلزام، والتنزُّل مع المخالف؛ لا على سبيل التسليم والتقرير؛ لأنه - كما سبق - ليس في إثبات ذلك مخالفة للضرورة العقلية.
(٣) النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يبلغ إلى ما فوق العرش؛ وكأنّ الرازي يريد بهذا القول -والله أعلم-: التقرير لما يعتقده من عدم استواء الرب تبارك وتعالى على العرش؛ فبسبب إنكاره أن يكون فوق العرش اللهُ تبارك وتعالى؛ أدّاه ذلك إلى هذا القول.

<<  <   >  >>