للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اللحظة الواحدة ممتنعًا، ولو حكَمْنا بهذا الامتناع كان ذلك طعنًا في جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ... ) (١)

• الثالث: وأمّا زعمُهم أنّه من المقرَّر علميًّا: أنّ الهواء يُفقَد بعد أميال من فوق سطح الأرض وعلى هذا؛ فلا يمكن والحالة هذه أن يعيش أحدٌ.

فيقال: قد قُرِّر من قبلُ أنّ أمثال هذه الاعتراضات لا تصدرُ إلاّ ممن ينكِر وجود الله تعالى، أو ينكر كمال قُدرتِه؛ فمَن خلق الإنسان مفتقرًا إلى الهواء؛ قادرٌ على أن يجعله مستغنيًا عنه، والعقل لا يستعصي عليه تصوُّر ذلك، وإِنَّما لعدم مباشرة الحس لمثل ذلك تراه ينكر كلّ ما لا يقع في دائرة إدراكه = وهذا هو القصور بعينه.

فإذا كان الحسُّ نفسُه لم يقع له دَرْكُ ما حولَه من عالَم الشهادة؛ فكيف ينفي بعد ذلك ما هو خارجٌ عن مقتضى إدراكه؟!

• الرابع: أما قول القائل: إن إثبات أخبار الإسراء والمعراج يلزم منها تجويزُ الجهل على الله تعالى - تعالى الله عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا - بما يقدِر عليه عبادُه، وما لا يقدرون ...

فالجواب عن ذلك: ليس في الحديث ما يستلزم ذلك أبدًا؛ فليس في الخمسين صلاة التي فرضها الله تعالى على عبده وخليله محمد - صلى الله عليه وسلم - ما يكون في أدائها استحالة من جهة تعذّر قُدرة العباد على أدائها. وأمّا قول موسى - عليه السلام - في الحديث: (إنّ أمتك لا يستطيعون ذلك، فارجعْ إلى ربّك فاسأله التخفيف لأمّتك) =فلا يُحقِّق مطلوبهم؛ ذلك أَنَّ نفْي الاستطاعة من موسى - - عليه السلام - - لا يرادفُ الاستحالة بحال في هذا المقام، وإِنَّما مقصوده - - عليه السلام - مشقّةُ ذلك على أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -. وبرهان ذلك: أنه أطلق


(١) "التفسير الكبير"للرَّازي (٧/ ٢٩٣)

<<  <   >  >>