للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[المقدمة]

أحْمَدُه -جَلَّ ذِكْرُه - بجميع محامِدِه , وأُثْني عليه بتواتُر فواضله ونِعَمه , وأَستهديه سبيل الصواب في القول والعَمَلِ بمننِهِ , وأُصلي على خير خلقه وأكْرم رُسله - صلى الله عليه وسلم -، وعلى أَصحابه وأهل بيته.

ثم أمَّا بعدُ:

فإِنّ من حِكْمةِ الله تعالى، وجَسيمِ لُطفْهِ ورحمته بعباده: أنْ ابْتعثَ إِليهم خيَر خَلْقهِ , وخاتَم رُسُلِهِ محمّدًا -صلوات ربي وسلامه عليه- , وجعله محْفوفًا ببرهان الوحي المُشتمل على هداية البشريَّة من لُجَج الظُّنون , ونورًا للبريّةِ من مُدْلَهِمَّات الشُّبهات وغَسَق الفُتون , وافترضَ على العباد اتّباع وحْيِهِ كتابًا وحِكْمةً , وأَناط الفوزَ والسعادةَ الأبدية للمتمسكين به , الصَّادرين عنه , المُدِيرين عليه أَقوالَهم وأَعمالَهم = فكان أَسعدَ الخلقِ بهذا النُّورِ , وأَحقَّ النّاس به , وأَعلاهم به عينًا، وأَشدَّهم تعظيمًا واتباعًا له = أَهلُ السُّنَّةِ والجماعةِ؛ لانطواء ضَمَائرِهِم على يقينٍ كُلّيٍّ بِصدْق ضرورتين فطريتين:

الضرورةِ الأُولى: قيامُ التلازُم بين نور الوحي وبين بَصَر العقل , وتعذُّر الانتفاع بأَحدهما دون الآخر. فنورُ الوحي بلا بصرِ العقل لا تتحصّل الاستفادةُ منه؛ إذْ بالعقل عُلِم صِدقُ الوحي , وأنّه من لَدُن حكيمٍ عليم , وبَصَرُ العقل بلا نورِ الوحي قضاءٌ على العقل بالضياع في مَنَادِح الأَهواء، ومَسَارِب العَمَايةِ.

الضرورة الأخرى: أَنَّ جرَيَان التناقُض بين وحيه تعالى المشمول

<<  <   >  >>