المطلب الثاني: سَوْقُ دعوى المُعارِض العقلي على الأحاديث الدَّالة على اختصاص النبي - صلى الله عليه وسلم - بعموم البعثة:
نقل الإمام ابن الجوزي - رحمه الله - في كتابه " مشكِل أحاديث الصحيحين " سؤالًا ينطوي على اعتراضٍ على قوله - صلى الله عليه وسلم -: (بُعِثتُ إلى الخلق كافّةً) والذي قد يبدو من صورة السؤال أن صاحبه ليس من أهل الإسلام؛ بل هو من المنتحلين لملّة من المِلَل الأخرى؛ لكن هذا الظاهر قد يُشكِل عليه ما سيأتي من إقراره بأنّ محمدًا - صلى الله عليه وسلم - نبيَّه. وقد عزى الإمامُ ابن قتيبة - رحمه الله - هذا الاعتراض أَيضًا للنَّظَّام. وحاصل اعتراضه:
- أن قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (بُعِثتُ إلى الخلق كافّة) يمتنع؛ بالنظر لأمرين:
الأول: أنّه يقتضي أن الأنبياء السابقين المدّعى تخصيص رسالتهم إلى قومٍ بعينهم؛ إذا وقع تعدٍّ منهم إلى غيرِ مَنْ بُعِثوا إليه = فإن ذلك يُعدّ مخالفةً من لدن الرسول.
الثاني: أنّه والحالُ هذه لو جاءَ الرسولَ مِن غير قومه مَن يسأله؛ فإنه على مقتضى الأول لا بدّ من كتمان ما يعلمه الرسول؛ لكون هذا السائل ليس من قومه المبعوث إليهم. والأمران باطلان =فعُلم بذلك عدم اختصاص النبي - صلى الله عليه وسلم - بعموم البعثة، وأن كل الرّسل بُعثوا إلى جميع الخلق.
هذا حاصل الاعتراض المفهوم من طيّ السؤال الذي أورده الإمام ابن الجوزي، وكذا هو مُحصَّل قول النظَّام.
وقبل تقرير الدلائل على بطلان هذا الاعتراض؛ أذكرُ نصَّ هذين الاعتراضين - قال ابن الجوزي - رحمه الله -: (وقرأتُ بخطّ ابن عقيل، قال: