جاءت فتوى من دمشق: ما تقولون في هذا الحديث: " بُعِثتُ إلى الخلق كافّة "، والنظر والتأمُّل يمنع صحة هذا؛ لأنه إذا كان النبي مبعوثًا إلى قوم بلغ من تعدّته إلى غيرهم؛ لأن صفة التخصص في الإرسال لا تقتضي العموم، كما لو قال القائل لرسوله: اذهب إلى بني تميم، فإنه إذا تعدى إلى بني عديّ كان مخالفًا. فلو كان موسى مخصوصا ببني إسرائيل ثم جاءه غيرهم من الأمم يسألونه عما جاء به = لم يجز له كتمانه عنهم، ولا أن يقول: إني غير مبعوث إليكم؛ بل كان الواجب عليه إجابة التُّرك، والفُرس، والعرب، وكل من سأله عن الأحكام التي جاء بها بما بُعِث به إلى بني إسرائيل؛ بل كان لا يجوز له أن يجيب أحدا من هؤلاء إذا كان مبعوثا إلى بني إسرائيل خاصة.
قال السائل: وأيضًا: إذا قال له: مُرْ بني إسرائيل بالصلاة، ومَنْ زنى من بني إسرائيل فعاقبْهُ على زِناه = لم يَجُز أن يعاقِب غيرهم على الزنا؛ وهذا كالحكم إذا عُلِّق على غاية لا يتعدى إلى غيرها.
فإن قلنا: إنّه مُنِع مِن إرشادِ مَن جاء إليه للاسترشاد من أنواع الخلق = لم يَجُز ذلك. وإذا بطل هذان القسمان ثبت أن كل رسول إِنَّما بعث إلى جميع الخلق.
وليس لقائل أن يقول: إنه أُرسِل إلى بني إسرائيل خاصة، والناس بالخيار بين اتباعه وتركه.
قال السائل: وطريقة أخرى: وهو أن الله تعالى رفع العذاب عن الخلق مع عدم الرسل بقوله {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} الإسراء: ١٥، وأثبت الحجة على الخلق ببعثه الرسل، وقد ثبت أن الله تعالى أهلك جميعَ أهل الأرض بالطوفان؛ وما ذلك إلا لمخالفة نوح، فلو لم يكن مرسلًا إلى جماعتهم = لما أهلكهم بمخالفته، ودعا عليهم.