المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على الأَحاديث المتعلقة بحقيقة الإِيمان:
جماع شبهتهم التي كانت الأصل والمستند في مخالفتهم =يعود إلى أَصلين:
الأوّل: دعوى استنادهم للضَّرورة العقليَّة المانعةِ من (الجمع بين النقيضين) وعليها انبنى القولُ بامتناع التفاوت في الحقيقة الشرعيَّة للإيمان.
الثاني: استنادهم إلى الحدِّ المنطقي.
فأما دعواهم استحالة "الجمع بين النقيضين" فهذه الضرورة العقلية عندهم انبنى عليها القول: بامتناع التفاوت في الحقيقة الشرعية للإيمان، إذا تأملت رأيتها حقا في الأصل؛ لأنَّ من بدايه العقول امتناع اجتماع النقيضين، وكذا ارتفاعهما، لكن الشأن في تحقق هذه القضيّة على مسألة تفاوت الإيمان، وهذا مالم يتحقق عند المُخالفين مَناطه، فهذه المقدّمة المُسلم بها لا تتصل بحال بالنتيجة التي ذهبوا إليها، توضيح ذلك أَنَّ القولَ بوقوع التفاوت في حقيقة الإيمان يلزم عندهم، الجمع بين النقيضين ومقصودهم بالنقيضين هنا اجتماع شعب الإيمان وشعب الكفر في الشخص الواحد، وهذا ممتنع عندهم، بناءً على أن التقابل بين الإيمان والكفر هو من باب التقابل بين السلب والإِيجاب فاستنادًا لهذه الضرورة العقلية أحالت الخوارج والمعتزلة والجهمية والمرجئة وقوعَ التفاوت في الإيمان.
فالخوارج التزمت بهذا الأصل فكفروا مرتكب الكبيرة وذلك لقولهم بدخول العمل في الإيمان مع التزامهم بدعوى استحالة التفاوت = فكانت النتيجة الطبعيَّة لذلك: أن سلبوا الإيمان عن صاحب الكبيرة، وأَثبتوا له ضده وهو الكفر؛ لأنه لا واسطة بين الإيمان والكفر.