للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تواتر به الحديث، لكن القرآن على خلافه، فإنه ينبي أن الإيمان هو التصديق وحده من غير أن يعتبر من العمل ...

بقي الجواب عن إطلاق الإيمان على الأعمال في الحديث، فلا ننكر أنه أيضًا إطلاق، لكن لا ينحصر فيما قالوه (١)، بل يجوز أن يكون من إطلاق الكل على الجزء كما فهموه، ويجوز أن يكون من باب إطلاق المبدأ على الأثر كما فهمنا، المبدأ هو الإيمان، والعمل أَثره ولو انحصر الأمر في أن الحديث أطلق الإيمان على الأعمال، والقرآن جعلها له، يعطفها عليه = كان اتِّباع القرآن، والتأويل في الحديث هو الأَوْلى.

فالحقيقة أدّاها القرآن، والحديث ورد على اعتبار؛ لأن القرآن يؤدي الحقيقة ويوفي حقها، والحديث قد يرد على المصالح ويراعيها أيضًا = فإن شئت أخذ الحقيقة كما هي فلا تجدها إلاّ في القرآن. . .) (٢)

فهذا النصُّ يلوحُ منه كيف أنَّ الحمية للمذهب - وإن كان باطلًا - تحمل صاحبها على ارتكاب الشناعات.

والمأْخذُ الذي انطلقت منه هاتان الطائفتان =كان مأْخذًا عقليًّا استولد لوازمَ متناقضة التزمت كلُّ فرقةٍ هذه اللَّوازمَ، واستدلَّ لها أَصحابُها بشبهاتٍ مُركَّبةٍ من دلائلَ عقليةٍ ونقلية= وليس الغَرَضُ في هذا المقام استقصاء هذه الشبهات واللوازم على جهة التفصيل وإبطالها. بل الذي نُصب البحثُ لأَجله هو بيان المستند الذي ارتكز عليه المخالفون في باب الإيمان، والذي كان سببًا لردِّ، أو تأويل وتعطيل تلك النُّصوص عما أَبانت عنه = ودفعه على وجه تحصل به الغاية.


(١) يعني: ما ذهب إليه السلف الصالح.
(٢) "فيض الباري"للكشميري (١/ ٥٣ - ٥٨) وأَنور شاه الكشميري (١٢٩٢ - ١٣٥٣ هـ):هو محمَّد أنور شاه الكشميري الدِّيوبندي كان مُتقلِّدًا مذهب الماتريدية في الأُصول، ولمذهب الحنفيَّة في الفروع، درَّس في دار العلوم بـ"ديوبند" الكتب السِّتة، من مُصنَّفاته: "العَرف الشذي على جامع الترمذي "،"مُشكلات القرآن"=انظر: ترجمة له في تقدمة "مجموعة رسائل الكشميري" للشيخ عبدالفتَّاح أبي غُدَّة (٧ - ٢٤)

<<  <   >  >>