للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المطلب الثَّاني: سوق دعوى المعارض العقلي على أحاديث سحر النبي - صلى الله عليه وسلم -

تتلخَّصُ المعارضات العقلية على الأحاديث المسوقة فيما يلي:

الأول: وهي شبهة من ذهب إلى إنكار أنَّ للسحر حقيقة أَصلًا، بناءً على أَن إثبات ذلك ينشأ عنه عدم التمييز بين معجزات الأَنبياء، وسحر السَّحرة.

وهذا المسلك جنح إليه طائفة من المعتزلة، وأَبو منصور الماتريدي، وأَبوبكر الجصَّاص، والطَّاهر بن عاشور. وغيرهم ممن تأثَّر بمادّةٍ اعتزاليَّةٍ؛ فإنَّ ذلك مَبنيٌ على التسوية بين جنس معجزاتِ الأَنبياءِ، وجنس سحر السَّحرة وعدّهما من بابٍ واحدٍ.

وفي تقرير ذلك عند المعتزلة، يقول القاضي عبد الجبَّار: (وينقسم السِّحرُ، ففيه ما هو كفرٌ؛ وهو ما يدَّعون من أَنَّه يُمكنهم إحياء الموتى بالحيَل، وطي البلادِ، وأَن يزيلوا عن المصروعِ ما نزل به .. وإِنَّما صار ذلك كُفرًا؛ لأَنّ معه لا يمكنُ التمسُّك بالنُّبوات؛ لأَنّه متى جُوِّزَ في ذلك وإن كان فيه نقضُ عادةٍ، وكان من الباب الَّذي يتعذَّرُ على النَّاس فعلُ مثله أَن يكون من فعل السَّحرة =جُوِّزَ في الأَنبياء صلوات الله عليهم، أَن يكونوا مُحتالين، وإن كانوا فعلوا المعجزات، ولا يمكن معه العلمُ بالنُّبوات، ولا بالفرقِ بين ما يختصُّ الله بالقُدرة عليه وبين مقدور العباد .. ) (١)

فبيِّنٌ من كلام القاضي عبد الجبّار، ظنّه أنَّ في إثبات حقيقة للسحر، ما يلزمُ منه جَريَانُ ما ينقضُ العادة ويخرقها على يد السِّاحر،


(١) "متشابه القرآن" (١٠٢)

<<  <   >  >>