للحس. فما قرّره الأئمةُ النُّقَّاد من اشتراط عدم مناقضة الحسِّ للخبر =حقٌّ، فما قطع العقل بواسطة الحس باستحالة مَضمونه فإنَّه يستحيل بناء على تلك المُقدِّمةِ أَن يحصل اليقين لدى الناظر، أو غَلَبة الظَّنِّ بصدقه؛ إذ معنى ذلك الجمع بين النقيضين؛ لكن شَرطُ هذا القطع هو التحقق من حصول مخالفة الحديث للحس وللواقع المشاهَد؛ فإن الحس قد يعتريه الغَلَط والوهْم، وما يُقَدَّر ورودُه على النقل يُقدَّر ما هو أبلغ منه على الحسّ؛ لأنّ هذا النقل إن كان ثابتًا فإنه ينتظمه الوعد بحفظ الذكر وإن كان ليس كذلك فإن الله يقيض له من أهل الصَّنْعة من يكشف عن وجوه العلل فيه. وأمّا الحسّ فليست سلامته من الخطأ وطروء الوهم عليه بمستحيل؛ خصوصًا إذا وُجِدت الموانع التي قد تحمل صاحبها على دعوى مخالفة الحديث للواقع المشاهَد؛ كالهوى، وانطواء القلب على شبهةٍ مانعةٍ من قبول ما خالفها، ومما يكشف لك عن خطأ هذه الدعوى=وجود المخالف لها. في حين أنَّ مخالفة الحِس للأحاديث الثابتة ليس لها في الواقع ما يُصدِّقه، فإنه يمتنع أن يخالف الحسُّ حديثًا ثم لا يوجد ما يُعارضه من الأحاديث النبوية الأخرى =والأمرُ كما قال الإمام ابن تيمية - رحمه الله -: (والواقع أنَّه ليس في الأخبار الصحيحة التي لا معارض لها من جِنسْها ما يُخالفُ القرآن و لا العقل)(١)
أما الجواب عن المعارض الثاني وهو قوله (كيف يكون للحمار والديك - وهما أدنى وأقل بكثير عقلًا = أنْ يريا مالا يراه الإنسان .. ) إلخ
فيقال: إن اختصاص بعض المخلوقات ببعض ما يميزها عن الإنسان أمرٌ غير منكور؛ نقلًا، ولا عقلًا. فأما النقل: فلم يأت فيه ما يمنع من ذلك؛ بل قد ثبت ما يؤيد اختصاص بعض المخلوقات بما