للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا يقع مثله للإنسان. ومن ذلك: أن لله عز وجل أسْمَع الحيواناتِ عذابَ أهل القبور، كما صح بذلك الخبر. فعن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال: بَيْنَمَا النبي - صلى الله عليه وسلم - في حَائِطٍ لِبَنِي النَّجَّارِ على بَغْلَةٍ له وَنَحْنُ معه؛ إِذْ حَادَتْ بِهِ فَكَادَتْ تُلْقِيهِ، وإذا أَقْبُرٌ سِتَّةٌ أو خَمْسَةٌ أو أَرْبَعَةٌ ... فقال: (من يَعْرِفُ أَصْحَابَ هذه الْأَقْبُرِ؟) فقال رَجُلٌ: أنا. قال (فَمَتَى مَاتَ هَؤُلَاءِ) قال: مَاتُوا في الْإِشْرَاكِ. فقال (إِنَّ هذه الْأُمَّةَ تُبْتَلَى في قُبُورِهَا، فَلَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ من عَذَابِ الْقَبْرِ الذي أَسْمَعُ منه ... ) (١) .

فهذه البغلة مع كونها حيوانًا أقل مستوى وعقلا! من الإنسان؛ إلا أن الله خلق لها إدراكًا سمعت به أصوات المعذَّبين حتى كادت أن تلقي بالنبي - صلى الله عليه وسلم -. وهذا ما قصرت حواس الإنسان عن إصابته.

وأما عقلًا: فإنه لايحيل ذلك؛ بل يحكم بواسطة الحس اختصاص بعض الحيوانات بما لم يوهبه الإنسان. والأمثلة على ذلك كثيرة؛ ومن ذلك: أن ((الهدهد)) من أهدى الحيوانات وأبصرهم بمواطن الماء تحت الأرض؛ حيث لايراه غيره (٢) . وقد اكتُشِف أَنَّ ((الوطواط/الخفاش)) لا تمثل عيناه دورًا مُهمًّا في توجيه حركته، بخلاف الأذن فإنَّها تُمثِّل دورًا كبيرًا في توجيه مَساره، وتفادي العوائق، واقتناص الحشرات؛ وذلك أَنَّه يُصدرُ أَصواتًا فوق سمعيَّة يتعذَّر لإذن الإنسان المُجرَّدة سماعها، فتصطدم هذه الأصوات بالعوائق ثم يلتقط الوطواط الصدى ووَفْقًا لذلك يُغيِّر اتجاهه، بل ثبت قُدرة ((الوطواط/الخفاش)) على استبانة الصدى الخاص به في مُحيط يعجُّ بمئات الخفافيش التي هي الأُخرى


(١) أخرجه مسلم في: كتاب: الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب: عْرض معفد الميت من الجنة أو النار عليه حديث (٤/ ٢١٩٩ - رقم [٢٨٦٧]) .
(٢) انظر: " شفاء العليل " لابن القيم (١/ ٢٤١) . وكذلك انظر:" الحيوان"للجاحظ (٣/ ٥١٢) .

<<  <   >  >>