للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأوّل: أَن القول بنزول عيسى - عليها السلام - متبعًا لا مشرعًا؛ ليس من محض اختراع من أَصحاب الروايات ـ كما افتراه بو هندي في زَعَمَاتِهِ ـ، بل هو مقتضى ما دلت عليه النصوص. وبرهان ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث أبي هريرة: (كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم. وإمامكم منكم؟) (١) .

ورَفْضُ عيسى - عليها السلام - التقدُّم للإمامة، وقبولُه أن يكون مقتديًا برجل من هذه الأمة = فيه اجتثاثٌ لإشكالٍ يمكن أَن يقع في النفس؛ من كونه نزل مبتدئًا شرعًا لا متبعًا.

الأَمر الثاني: أَنَّ معنى كونه - عليها السلام - متبعًا , لا ينزع عنه سِمَةَ النبوة.

فإن قيل: يُشْكِلُ عليه قول الله تعالى: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} الأحزاب: ٤٠ وقوله عليه الصلاة والسلام (لا نبي بعدي) (٢) .

فالجواب: إنما يصح التناقض إذا كان المدلول المراد نفيه في هذه الدلالة هو ذاتُه المُثبت في الأَحاديث الدالة على نزول عيسى - عليها السلام - في آخر الزمان؛ ولكن عند اختلاف المدلولين فلا تناقض.

بيان ذلك: أن المراد بقوله تعالى: {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا نبيَّ بعدي) ـ والله أعلم ـ: امتناع حدوث وصف النُّبوة في أحد من الخلق بعد النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - ينسخُ بشريعته شريعةَ نبينا - صلى الله عليه وسلم -؛ لقيام القَواطِع امتناع ذلك. وعيسى - عليه السلام - لم يحدث له هذا الوصف، لأنّه لم يزل مُتصفًا به منذ أن تحلّى به، ولم يسلب منه برفعه إلى السماء. يقول الإمام الآلوسي - رحمه الله -: (والمراد بكونه -عليه الصلاة والسلام- خاتمهم: انقطاع


(١) تقدم تخريجه
(٢) جزء من حديث أخرجه البخاري في:"كتاب الأنبياء"باب"ما ذكر عن بني إسرائيل" (٤/ ١٦٩ - رقم [٣٤٥٥])،ومسلم في: كتاب"الإمارة"باب"وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء، الأول فالأول" (٣/ ١٤٧١ - رقم [١٨٤٢]) .

<<  <   >  >>