للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المتكلمين حين ظنوا التسوية بين حكم المجموع وحكم الفرد، وأن الحكم المعطى للفرد يلزم منه إعطاؤه للجملة؛ في حين أنه لا يلزم مطلقًا أن الحكم الذي يوصف به الفرد يوصف به الجملة , فإذا وصف كل فَرْدٍ من الأفراد المتعاقبة بفناءٍ أو حدوث = لم يلزم أن يكون هذا الوصف منطبقًا على المجموع والنوع؛ بأن يلحقه فناء أو حدوث.

حاصل هذا: أنَّ (النص والعقل دلّ على أن كل ما سوى الله تعالى مخلوق حادث؛ كائن بعد أن لم يكن. ولكن لا يلزم من حدوث كل فردٍ فرد، مع كون الحوادث متعاقبة = حدوثُ النوع. فلا يلزم من ذلك أنّه لم يزل الفاعل المتكلم معطّلًا عن الفعل والكلام، ثم حدث ذلك بلا سبب. كما لم يلزم مثل ذلك في المستقبل؛ فإن كل فردٍ فرد من المستقبلات المنقضية فانٍ , وليس النوع فانيًا؛ كما قال تعالى: {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} الرعد: ٣٥ وقال: {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (٥٤)} ص: ٥٤. فالدائم الذي لا ينفد - أي: لا ينقضي - هو النوع؛ وإلاّ فكلُّ فردٍ من أفراده نافدٌ مُنْقَضٍ، ليس بدائم) (١).

٤ - أن القول بامتناع حوادث لا تتناهى = يلزم منه لوازم باطلة؛ من أَعظمها تعجيز الرَّبِّ تبارك وتعالى. فإن الجهم بن صفوان يرى أن الفعل كان ممتنعًا على الله تعالى، ثم صار ممكنًا. وفساد هذا اللازم يدل على فساد ملزومه - بلا شكّ -؛ لذا فإن الجهم بن صفوان ومن تابعه على أصله من المتكلمين أرادوا بتقريرهم لامتناع حوادث لا تتناهى الردَّ على الفلاسفة القائلين بقِدَمِ العالم؛ في حين أن الفلاسفة اتخذوا من فساد قول هؤلاء ذريعة للشَّغَب عليهم , والتمسك بقولهم في قِدَم العالم؛ ذلك أنّه من المُحال أن يكون الشيءُ ممتنعًا لذاته في وقت ثم يكون


(١) "منهاج السنة" (١/ ٤٢٦).

<<  <   >  >>