ممكنًا لذاته في وقتٍ آخر؛ دون سبب حادثٍ تعلق به فجعله ممكنًا. لذا يقول الفيلسوف ابن رشد الحفيد - مُفوِّقًا سهامه لهذا القول -: (إذا فرضنا أن العالم مُحْدَثٌ لزم - كما يقولون - أن يكون له - ولا بُدَّ - فاعل مُحْدِث. ولكن يَعْرضُ في وجود هذا المحدث شكٌّ؛ ليس في قوة صناعة الكلام الانفصال عنه , وذلك أن هذا المُحْدِث لسنا نقدر أن نجعله أزليًا , ولا محدثًا. أما كونه محدثًا؛ فلأنه يفتقر إلى مُحْدِث , وذلك المُحدِث إلى محدث، ويمر الأمر إلى غير نهاية , وذلك مستحيل.
وأمَّا كونه أزليًا؛ فإنه يجب أن يكون فعله بالمفعولات أزليًا , فتكون المفعولات أزلية , والحادث يجب أن يكون وجوده متعلقًا بفعل حادث. اللهم إلَاّ لو سلموا أنه يوجد فعل حادث عن فاعل قديم , فإن المفعول لا بد أن يتعلق به فعل الفاعل , وهم لا يسلمون ذلك؛ فإن من أُصولهم أنّ المقارن للحوادث حادث.
وأيضًا: إن كان الفاعِلُ حينًا يفعل، وحينًا لا يفعل = وجب أن تكون هنالك علة صيَّرته بإحدى الحالتين أولى منه بالأخرى , فَيُسأل أيضًا في تلك العلة مثلُ هذا السؤال, وفي عِلّة العِلّة , فيمر الأمر إلى غير نهاية.
وما يقوله المتكلمون في جواب هذا , من أن الفعل الحادث كان بإرادة قديمة , ليس بمُنجٍ و مُخلِّص من هذا الشك؛ لأن الإرادة غير الفعل المتعلق بالمفعول , وإذا كان المفعول حادثًا فواجب أن يكون الفعل المتعلق بإيجاده حادثًا ... ) (١) .
وما ذكره ابن رشد مُلزِمٌ للمُتكلمين , وإن كان ما يَرْمي إليه ابن رشد من إلزامه أشنع مما يقصده المتكلمون؛ فإنَّ ابن رشد يتوخَّى إثبات قِدَم