للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العالم , والمتكلمون مع خطأ دليلهم؛ إلَاّ إنّهم راموا من دليلهم هذا حقًا.

ومع هذا؛ فإنّه يُقال للقائلين بأن الفعل كان ممتنعًا على الله لذاته ثم صار ممكنًا لذاته: لا يخلو الحال في الوقت الذي انقلب فيه الفِعلُ من الامتناع الذاتي إلى الإمكان الذاتي من أمرين:

- إمّا أن يَصحّ أن يُفْرَض قبل هذا الوقت وقتٌ يُمْكن فيه الفعل، أو لا. فإن منعوا؛ فهذا تحكُّمٌ بلا برهان. وإن أجازوا = لزمهم أن يطردوا هذا الإمكان في الوقت الذي قبله أيضًا لا إلى نهاية (١) .

فإذا صَحَّ جواز حوادث لا نهاية لها = بطل المنع من وجود حوادث لا نهاية لها في المستقبل.

- وإمَّا تفريق كثير من أهل الكلام بين الماضي والمستقبل؛ بأنّ الماضي قد دخل في الوجود دون المستقبل. ففاسد، ذلك أن الماضي والمستقبل أمران إضافيان نِسبيّان؛ فما من مستقبل إلا سيفنى ويصير ماضيًا، وما من ماضٍ إلا كان مستقبلًا. فليس ما ذكروه من الفرق يعود إلى صفات كُلٍّ منهما حتى يمكن القول بأن أحدهما ممكن والآخر ممتنع.

فما يقع في الوجود من الحركات هو المتناهي، ثم يعدم فيصير ماضيًا؛ كما أنه كان معدومًا لما كان مستقبلًا (فوجوده بين عدمين , وكلما انقضت جملة حدثت بعدها جملة أخرى , فالذي صار ماضيًا هو بعينه الذي كان مستقبلًا , فإن دَلَّ الدليل على امتناع ما لا يتناهى شيئًا قبل شيء = فهو بعينه دالٌّ على امتناعه شيئًا بعد شيء) (٢) .

وما ضربه الجويني وغيره من النُّظَّار من المثال، للتفريق بين


(١) انظر"حادي الأرواح" (٢/ ٧٢٦) .
(٢) "حادي الأرواح" (٢/ ٧٢٧) .

<<  <   >  >>