للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الماضي والمستقبل = ليس عندالتحقيق بمطابق لما يقع من التسلسل؛ إذ قول القائل: " لا أعطيك درهمًا إلا وأعطيك قبله درهمًا " ليس بمثالٍ صالحٍ لما قرره السلف من جواز وجود حوادث لا أوَّل لها. وبيان ذلك: أن قول القائل: لا أُعطيك إلا وأعطيك نَفْيٌ للمستقبل؛ حتى يحصل مثله في المستقبل، ويكون قبله , وهذا ممتنع. هذا من جهة.

ومن جهة أخرى؛ إنّ العطاء المُسْتقبل، ابتداءوه من المعطي , والمستقبل الذي له ابتداء وانتهاء = مُحَالٌ أن يكون لا نهاية له؛ إذْ كيف يصح وجود ما لا يتناهى فيما يتناهى؟ (١).

لذا كانت الموازنة العادلة أن يقال - تمثيلًا لما لا يتناهى في الماضي -:

لا أعطيك درهماً إلا أعطيتك قبله درهمًا. فيكون ماضيًا قبله ماضٍ؛ وهذا ممكن ليس بممتنع , كما أنه لا يمتنع وجود مستقبل بعد مستقبل إلى ما لا نهاية.

وأمًّا زعم ابن الزغواني أن القياس والعقل يصحح منع وجود حوادث لا تتناهى في المستقبل - كما هو الشأن في الماضي -؛ فهو زَعمٌ فاسد مبني على اعتقادهم جواز أنْ يَرِدَ السمع بخلاف ما تُقرّره الضرورة العقلية. وفساد ما زَعَم قد تَجلَّى فيما سبق بيانه من فساد الأصل الذي قاس عليه من جهة الدلائل النقلية والعقلية.

نقض دعوى أن دوام الإحراق مع بقاء الحياة فهو خروج عن مناهج العقول:

يقال: قد تقدم مِرارًا أَن الآخرة وأحوالها وكيفياتها تَجْرى على خلاف ما يشهده العباد في الدَّنيا = غيب يجب الإيمان به. وذا يحتمه


(١) انظر:"منهاج السنة" (١/ ٤٣٦).

<<  <   >  >>