للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العقل المهْدي، الذي يعلم قصوره عن الإحاطة بكل شيء. ثم لا يخلو حال هذا المعترض من حالتين:

- إِمَّا أن يكون مؤمنًا بقدرة الرب تبارك وتعالى على كل شيءٍ. أو لا.

فإن كان مقرًّا مؤمنًا؛ فلن يعجز عن تصور وقوع الإحراق لأَجساد المعذبين مع بقاء الحياة وعدم انتفائها؛ فالذي خلق الأجساد في الدنيا، وجعل حياة تلك الأجساد تزول بانعدام البنية = قادر على أن يبقي حياتها في تلك الدار مع استمرار العذاب والإحراق وبقائه. ونظير هذا الاعتراض: ما سئل عنه المصطفى - صلى الله عليه وسلم -؛ حيث قال له رجل: يا رسول الله , كيف يُحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟ فقال: (أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا قادرًا على أن يُمشيه على وجهه يوم القيامة؟!) (١) .

ولست مندفعًا إلى ذكر أمثلة هي من هذه القبيل؛ فكثير من أحوال الآخرة الإيمان بها مُناط بالإيمان بكمال قدرة الرب تعالى. ومن ضاقت حوصلته عن ذلك؛ فالحديث معه يتجه إلى تقرير دلائل كمال قدرة الرب تبارك وتعالى , ثم في متعلقاتها.

ثُمَّ يُقال: إنَّ الحياةَ معنىً، والأَلَم والعذاب والإحراق مَعَانٍ غيره =فبقاءُ هذه المعاني مع انتفاء الحياة ليس مناقضًا لمقتضى العقل، كما أنَّ انتفاء هذه المعاني مع بقاء الحياة ليس خارجًا أيضًا عن ضرورة العقل، ذلك أنَّ كُلَّ غَيْرَين لابد أن يصحَّ من بعض الوجوه وجود أحدهما مع عدم الآخر؛ وإلَاّ انتفت الغيرية والَّتبس حالُهما بحال المعنى الواحد.


(١) أخرجه البخاري كتاب"التفسير"باب"الفرقان" (٦/ ١٠٩ - رقم [٤٧٦٠]) .

<<  <   >  >>