للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول الإمام ابن جرير - رحمه الله -: ( .. ذلك أنَّ الحياة معنى، والآلام واللَّذاتِ والمعلوم (١) معانٍ غيره. وغيرُ مُسْتحِيلٍ وجود الحياةِ مع فَقْدِ هذه المَعاني، و وجُودُ هذه المَعاني مع فَقدِ الحياة =لافرقَ بين ذلكَ) (٢) .

وأَمَّا الجواب عن دعوى استحالة ذبح الموت لكونه عرَضًا فقد سَبَق في مبحث الميزان بيان فساد القول بامتناع وزن الأعراض أو ذبحها وأنّ التسليم بدلالة هذه النصوص وفهْمها على وفق سنن المعهود من الخطاب في زمن التشريع = هو عند التحقيق المسلكُ المأمون الموافق للعقل، المهْدِي بهداية الوحي.

وما ذهب إليه عددٌ من أهل السُّنّة كالإمام ابن القيّم - رحمه الله -: أنّ الله يقلب الموت كبشًا ليُذبح، وأنّ الله قادرٌ على ذلك بإنشائه من العرض جسمًا في صورة الكبش لا أن الذبح واقع على الموت نفسه. مُقرِّرًا ذلك بقوله - رحمه الله -: (وهذا الكبشُ، والإضجاعُ، والذبحُ، ومعاينةُ الفريقين ذلك = حقيقةٌ لا خيال، ولا تمثيل؛ كما أخطأ فيه بعضُ الناس خطًا قبيحا، وقال: الموتُ عرض، والعرض لا يتجسَّمُ؛ فضلًا عنْ أنْ يُذْبَحَ. وهذا لا يصحّ؛ فإنّ الله سبحانه ينشئ من الموتِ صورةَ كبشٍ يُذْبَحُ، كما يُنْشِئُ من الأعمال صُورًا مُعايَنَةً؛ يُثابُ بها، ويُعاقَب. والله تعالى ينشئُ من الأعراض أجسامًا تكونُ الأعراضُ مادّةً لها، وينشئُ من الأجسام أعراضا، كما يُنشئ سبحانه وتعالى من الأعراض أعراضًا، ومن الأجسام أجسامًا.

فالأقسام الأربعة ممكنةٌ مقدورَةٌ للرب تعالى، ولا يستلزمُ جمعًا بين النقيضين، ولا شيئًا من المُحال. ولا حاجةَ إلى تَكَلُّفِ مَنْ قال: إنّ الذبح لملك الموت = فهذا كلُّه من الاستدراك الفاسد على الله ورسوله،


(١) كذا في المخطوط، ولعل الصواب العلوم، كما أشار إليه المحقق في الهامش.
(٢) "التبصير"لابن جرير (٢١١ - ٢١٢) .

<<  <   >  >>