للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التكليفُ، وبالتالي يستحيل الثواب والعقاب، ولا يرجع الفضل في العصمة حينئذٍ إلى الرسول، بل إلى الله. وتكون هذه الميزة له وحده دون سائر الأنبياء؛ مثل: دواود، وسليمان ... وإذا كان الرسول قد تمّ شقّ قلبه من قبل؛ لا ستنزع الشيطان مرة قبل البعثة من كراماته، أو مرة بعد البعثة في بداية الإسراء والمعراج. فكيف يعود إليه من جديد؛ كي يخطئ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيعينه الله عليه، ويعصمه منه؟) (١)

وفي تضاعيف كلامه عدّة أَغاليط؛ وذلك لاعتقاده أَنَّ مناطَ العِصمةِ = سلْبُ الاختيار المقتضي للجبر، وأنَّ هذا المناط يترتب عليه انتفاء استحقاق المصطفى - صلى الله عليه وسلم - للثواب والعقاب!!

وهذا غلطٌ بيِّنٌ.

وعلّةُ ذلك: أن خصيصة العصمة التي مُيِّز بها الأنبياء والرسل عن غيرهم لاتقتضي سلْب الاختيار الذي هو مناط استحقاق الثواب؛ بل حقيقتها مزيدُ عنايةٍ وحفظٍ، وتفضُّلٍ من الله لأنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام. هذا الحفظ يستلزم التصوُّن عن مقارفة الذنوب المخلّة بمقام الرسالة وجانب التبليغ. فالتصوُّن ليس جبْرًا؛ كما فهم " حسن حنفي "؛ بل هو فِعْل الرسول الصادر عن اختياره وإرادته، وبه يكون استحقاق الثواب. والثواب والحفظ من مواقعة الذنوب المخلّة هما محض فضْلٍ من الله تعالى على أنبيائه ورسله.

وممّا يبرهِنُ على تمام قُدَرِهم صدورُ الخطأِ منهم الذي لا يقدح في جانب التبليغ والرسالة، وهذا هو نتيجة اجتهادهم الذي هو من فعلهم؛ مما يدلّ على تمام قدرتهم واختيارهم في الاجتهاد؛ الذي يقع أحيانًا مخالِفًا لمراد الله تعالى، فيأتي حينئذٍ التوجيهُ الربّاني الكاشف عن


(١) من العقيدة إلى الثورة (٤/ ٢١٢ - ٢١٣)

<<  <   >  >>