فيقال: هذه الدعوى مُخرَّجة على الأصل الأول، وقد انكشف فساده؛ فيلزم من ذلك فَسَادُ ما خُرِّج عليه.
وعَلَى جِهَةِ التّبرعِ، والاسْتِرسَالِ في نَقْضِ اعتراضه=يُقال: قد ثَبَتَ بالبُرهانِ القَطْعيِّ عدلُ الرَّبِّ تبارك وتعالى؛ وهذا مورد اتفاق بين أهل السنة وجميع الطوائف ومنهم الزيدية. وكذلك ثبت بالبرهان اليقيني صِدقُ رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما أخبر به عن ربِّه، وأنه لا ينطق عن الهوى. وقد أجمع أَهل العلم وفيهم أئمة الزيدية (١) على تلقّي ما رواه البخاري ومسلم بالقبول، سوى بعض الموارد التي كانت مَحلّ تردُّد بين الأئمة المهرة في هذا الفن؛ فيُستدلُّ بالمتفق عليه من هذه المقدمات على المُختلَف فيه = وهو: سلامة الحديث من الطعن، وصدق دلالته، وبطلان ما عارضه.
والذي يتبدَّى من خلال رَقْمِهِ: أَنه ينفي في الأصل قيام دليل التصحيح من الكتاب أو من السنة - كما سبق نقله -. فأما نفيه لوجود ذلك في الكتاب فَقد يسلَّم، وأمَّا نفْي ورود الخبر بذلك في دواوين السُّنة=فهو خَبَرٌ عن جَهْلِهِ بالوجود، لا عن انتفاء الوجود في نفس الأمر. وقد سبق سَوْق الحديث الثابت في أَصحّ كتابين بعد كتاب الله عز وجل باتفاق أهل العلم.
وأما الجواب عن الاعتراض الثالث: الذي اعترض به إمام حنفي، وهو: دعواه بأن الشيطان ذليلٌ حقيرٌ .. الخ.
فيقال: ما ذكره من مقدمة لا توصله إلى النتيجة التي تغيَّاها؛ للانفكاك الذي بينهما. فضعف الشيطان الذي أضافه الله إليه؛ كما في قوله تعالى: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (٧٦)} النساء. إنما هو في مقابل
(١) ذكر ذلك عنهم الإمام ابن الوزير. انظر: " العواصم والقواصم " (٣/ ١١٧) .