للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كيد الله؛ لا مطلقًا (١) . فلا ينفي ذلك ما أَقْدره الله عليه من الوسوسة، والإجلاب على العباد بخيله ورَجِلِه، والإيعاد بالشر؛ ليحملهم على غير الجادة التي فطرهم الله عليها. فهذا القَدْرُ معلومٌ بدلائل الكتاب والسنة. قال الله عز وجل: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (١١٧) لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (١١٨) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (١١٩) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (١٢٠)} النساء.

وقال تعالى: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ} الأنفال: ٤٨.

وقال الله تعالى في الحديث القدسي: (إِنِّي خلقتُ عبادي حنفاء، فاجتالتهم الشياطين عن دينهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أُنَزِّل به سلطانا) (٢) .

وأما استدلاله بقوله تعالى: {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا} الأعراف: ١٨ فهو استدلال منقوص؛ لأنّه بَتَرَ الدليل، واستدلّ بجُزئهِ = وهذا غاية التلبيس. وإنما فَعل ذلك لأن جزء الآية المُتمّم لها حجةٌ عليه، والآية بتمامها: {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (١٨)} الأعراف: ١٨ فلما كان الجزء الذي أهمل ذِكْرَه يدل على نقيض مقصوده = أغفله ولم يذكُرْه. فتمامها يدل دلالة صريحةً أنّ الشيطانَ متبوع، وأنّ له أتباعًا. وهذه التبعية لا تتأتّى إلا بدعوته، وتزيينه، ووسوسته لهم، وطاعتهم له فيما دعاهم إليه؛ وإلا لما كان تابع، ولامتبوع. وكلُّ ذلك مما يَنقُض ما أصّله قبلُ.


(١) انظر:"رموز الكنوز"للرَّسعني (١/ ٥٦١)،و " روح المعاني "للآلوسي (١٢/ ٢٢٤) .
(٢) أخرجه مسلم، كتاب " الجنة وصفة نعيمها " باب " الصفات التي يُعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار " (٤/ ٢١٩٧ - رقم [٢٨٦٥]) .

<<  <   >  >>